أما أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان متهيأ مستعدا للنبوة متطلعا إليها ، فان «كارليل» يفند هذا الزعم بقوله : «ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لم يكن صادقا فى رسالته ... أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة ... لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ولا دوى ، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطان ... ولم يك إلا بعد أن ذهب الشباب وأقبل المشيب ...» (١).
قد يقول قائل ممن يحسنون الظن بالمستشرقين المعاصرين ، لقد أطلت الوقفة عند كلام قديم وأخطاء اعتذر عنها وصححها ، كثير من المستشرقين المعاصرين.
نقول : قد يكون صحيحا القول بأن ألوان التحامل القديم على الإسلام قد خفت حدتها إلى درجة كبيرة منذ مطلع هذا القرن ، ولكنها للأسف الشديد لا تزال تعيش قوية ، ولا تزال هناك فئة من المستشرقين تحرص حتى اليوم على نشر ألوان التحامل القديم في العالم الغربى على نطاق واسع وبأساليب مختلفة (٢).
إن كتابات أمثال جولد تسيهر وكيثانى ودرمنغام أصبحت حجة عند من جاء بعدهم.
المستشرق «مونتجمرى واط» والذى يوصف كثيرا بأنه متعاطف مع المسلمين ، ويقول عن نفسه أنه محايد وأنه موضوعى ، وأنه يبحث بحثا تاريخيا دون ما أدنى إساءة إلى المسلمين.
رأيناه ـ فيما مر ـ يشكك في أمية الرسول ، ويقف طويلا أمام اللقاء الأول والأخير لنبينا محمد «صلىاللهعليهوسلم» مع ورقة ، وقد فندنا كل ما أثاره بشأن الأمية وقصة ورقة.
يقول «واط» : «ولا بد أن محمدا قد عرف منذ شبابه بعض المشاكل الاجتماعية والدينية في مكة ، ولا شك أن وضعه كيتيم قد أطلعه على القلق السائد في المجتمع ، وربما كانت أفكاره من وجهة النظر الدينية ترجع إلى التوحيد الغامض الذى نلاحظه عند المكيين المثقفين ، ولكن يضاف إلى ذلك أنه ولا شك (!) فكر ببعض الإصلاح فى مكة ، وكان كل ما يحيط به يساعد على أن يوحى إليه بأن هذا الإصلاح يجب أن يكون أولا إصلاحا دينيا. ولهذا نرى محمدا يصبو إلى الخلوة للتفكير في الأمور الإلهية ويقوم ببعض العبادات ، وربما كان ذلك للتفكير عن الخطايا» (٣).
__________________
١ ـ كارليل : الأبطال ص ٥١ ، د. عماد الدين خليل : السابق ص ١٢٤.
٢ ـ د. محمود حمدى زقزوق : الاستشراق والخليفة الفكرية للصراع الحضارى ص ٩٦ دار المنار مصر ١٤٠٩ ه ـ ١٩٨٩ م.
٣ ـ محمد في مكة ص ٨٢.