اليهود والمسيحيين والملحدين في البلاد الغربية يجمعون على الزعم ، وذلك دون أدنى دليل بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم كتب أو استكتب القرآن محاكيا التوراة ، ويزعم البعض أن هناك أقوالا قرآنية في التاريخ الدينى تفيد أقوال التوراة والإنجيل ، مثل هذا الموقف لا يقل استخفافا عن ذلك الذى يقود إلى القول بأن المسيح أيضا قد خدع معاصريه باستلهامه للعهد القديم في أثناء تبشيره. فكل إنجيل متى ، كما رأينا ، يعتمد على تلك الاستمرارية مع العهد القديم. أى مفسر هذا الذى تعن له فكرة أن ينزع صفته كرسول لله لذلك السبب؟
«ومع ذلك فهكذا في الغرب يحكم على محمد (صلىاللهعليهوسلم) فى غالب الأحيان : يزعمون أنه لم يفعل أكثر من أن نقل التوراة والإنجيل. وذلك حكم بلا محاكمة لا يضع مطلقا في اعتباره أن القرآن والتوراة والإنجيل قد تعطى عن نفس الحدث روايات مختلفة ، ولكنهم يفضلون السكوت على اختلاف الروايات ، ثم يعلنون أنها متماثلة وبالتالى يتماشون عن تدخل المعارف العلمية» (١)
وأقف وقفة قصيرة عند قول «جويتين» ـ الذى أسلفناه ـ أن. محمدا أخذ قصصه القرآنى من التوراة غير أنه جاء مشوها للحقائق عن الأنبياء ، وعلل ذلك بحقد محمد على إخوانه الأنبياء السابقين فغمط حقهم ، وحقرهم وقلل من شأنهم حتى يظهر هو بمظهر البطولة وأنه خاتم الأنبياء.
وهذا الكلام لا يقوله إلا إنسان لم يطلع ـ مجرد اطلاع ـ لا على القرآن ولا على التوراة.
الأنبياء في القرآن هم الصفوة الممتازة الذين اصطفاهم الله من بين البشر واختصهم بصفات الكمال الخلقية والخلقية وجعلهم السفراء الأمناء في حمل الدين وتبليغه إلى الناس.
والمتتبع لآيات الله في القرآن الكريم التى تتحدث عن الأنبياء والمرسلين يجدها تصفهم باسمى الصفات والمواهب العقلية والخلقية والعلمية ، كل ذلك يدل على أنهم صفوة الخلق ، والمثل الكامل للإنسانية ولعظم مهامهم ، اقتضت حكمة الله تعالى أن يحفظهم بعنايته ويكلؤهم برعايته ، ويربيهم على عينه ، قال تعالى للكليم موسى (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] وقال للنبى الخاتم محمد بن عبد الله (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨].
__________________
١ ـ موريس بوكاى : دراسات الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ص ١٤٩. دار المعارف لبنان ١٩٧٧ م.