إلى العلم والبحث وشغلوها في أغلب الأحيان بالبحث في التاريخ والدين والاجتماع ولكل منهم لغته الأصلية التى رضع لبانها من أمه وأبيه ومجتمعه وبيئته ، فصارت له اللغة الأم كما يعبرون ، فهو يغار عليها ويتأثر بها ، ويستجيب لموحياتها ، ولكنه مع ذلك تعلم اللغة العربية بجوار لغته الأصلية» (١).
البيئة والثقافة واللغة إذن في وعى المستشرق ، تعمل عملها وهو يتعامل مع الغير ، بمعنى آخر : الاستشراق مرتبط بحضارته يقول فالزرWalzer «حركة الاستشراق كانت تسير جنبا إلى جنب مع التحولات والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى سادت العصور التى عاش فيها أولئك المستشرقون فلا يمكن أن نفصل بين ما شهدته من ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية وبين ما أنتجه أولئك المستشرقون من دراسات ..» (٢) فالاستشراق مرتبط بأيدلوجية الغرب الساعية إلى السيطرة والهيمنة على الغير ، فالاستشراق «يتضمن الموقف التنفيذى السلطوى للاستعمار الأوربى» (٣) كما أنه منهج غربى في رؤية الأشياء ، أو كما يقول إدوارد سعيد : هو «أسلوب من الفكر قائم على تمييز وجودى (Antalogy) ومعرفى (Epstalogy) بين الشرق والغرب»
ويعرف الهراوى الاستشراق بأنه «مهنة ، وحرفة ، كالطب والهندسة ، والمحاماة ، وهو أقرب الشبه إلى مهنة التبشير ، ولا يخفى ... أن التاريخ الإسلامي ينقسم إلى قسمين : القسم الأول منه : هو الإسلام من حيث هو دين ، وعناصره : القرآن والحديث ، وحياة سيدنا محمد «صلىاللهعليهوسلم» والقسم الثانى منه : تاريخ الدولة العربية ـ الأحرى أن تكون الدولة الإسلامية ـ التى نشأت وعاشت في الإسلام ، وهذا القسم قد خدمه المستشرقون لأنه نوع من المباحث التاريخية الحرة ، أما القسم الأول منه فهو بيت القصيد ، ولا يتصدى له كل المستشرقين ، والذين يتصدون له ترى كلامهم مملوءا بالتشكيك والاستنتاج الخاطئ واللمز ، إن لم يكيلوا التهم جزافا ، ويرموا الدين الإسلامى بما شاءت عقائدهم الخاصة وفائدتهم المادية» (٤).
__________________
١ ـ د. أحمد الشرباص : التصوف عند المستشرقين ص ٦
(٢) ـ. ٤١.GeuthnerParisp ؛ R.Walzer ـ L.EveilDelaphl osaphieIslamique مصطفى نصر السلامونى : الاستشراق السياسى طرابلس. ليبيا ١٣٩٦ ه ـ ١٩٨٦ م.
٣ ـ إدوارد سعيد : الاستشراق ص ٣٨.
٤ ـ حسين الهراوى : نحن والمستشرقون (مجلة المعرفة ١٩٣٢ م) وكلام الهراوى فضلا عن التعريف يتناول بعض أهداف وأعمال المستشرقين ، غير أن الذى تصدى ـ منهم ـ لدراسة الدولة الإسلامية تجنى الكثير منهم على الدولة الأموية وعلى مؤسسها معاوية بن أبى سفيان وهو كاتب الوحى ، والطعن فيه مقصور لما بعده ، والذين عالجوا الدولة العباسية ، اعتمدوا بالدرجة