أقصد بمعزل عن قوى الاستعمار يعد خطا كبيرا.
المستشرق ـ إذا ـ ينتمى إلى الغرب ، ولو كان يابانيا أو هنديا أو إندونيسيا لما استحق أن يوصف بالمستشرق لأنه شرقى بحكم مولده وبيئته وحضارته ... وليس من الضرورى أن يرحل المستشرق ـ فيما يقول الدكتور الخربوطلى ـ إلى الشرق ليعيش فيه أو ليتطبع بطباعه أو حضارته ، فقد يقوم بدراسته في جامعته الغربية أو في وطنه ، وإن كان رحيله إلى الشرق يجعل دراسته أكثر فائدة وأقرب إلى الواقعية ، وليس من الضرورى أن يعتنق هذا المستشرق الإسلام أو أحد الأديان السائدة في الشرق ، كما أنه ليس من الضرورى أيضا أن يتحدث باللغات الشرقية ، وإن كان الإلمام بها أو إجادتها يعينه كثيرا في دراسته وأبحاثه (١).
غير أننا نتساءل : كيف يتسنى لباحث جاد ، غير عربى ـ أى غير شرقى ـ أن يدرس الإسلام : سواء أكانت العقيدة أو الشريعة أو التاريخ ... كيف يتسنى له ذلك إذا لم يكن يجيد العربية؟ كيف يتسنى له دراسة القرآن وهو يجهل لغة القرآن؟ من هنا شدد البعض على ضرورة إتقان المستشرق لغة القوم الذين يقوم بدراستهم ، فليس «صاحب علم الشرق الجدير بهذا اللقب بالذى يقتصر على معرفة بعض اللغات المجهولة أو أن يستطيع أن يصف عادات بعض الشعوب ، بل إنه من جمع بين الانقطاع إلى درس بعض أنحاء الشرق ، وبين الوقوف على القوى الروحية الأدبية الكبيرة التى أثرت على تكوين الثقافة الإنسانية (٢).
وأخيرا ، فإن السؤال الذى يتبادر إلى الذهن : ما معنى أن يوجد في بلادنا أناس من بنى جلدتنا ، ولكنهم يحملون فكر المستشرقين ، يرددون ما يقولون ، ويدعون إلى ما يدعون؟
هل هو الشعور بالنقص أمام زحف الحضارة الغربية وعجز العالم الإسلامى وانهياره من جراء صدمة عنيفة أحدثها الانقلاب في موازين القوى فأصبح المتقدم متخلفا والعكس؟
يقول المفكر مالك بن نبى : «.. ولقد أحدثت هذه الصدمة عند قبيل من المثقفين المسلمين شبه شلل في جهاز حصانتهم الثقافية ، حتى أدى بهم مركب النقص إلى أن ولّوا مدبرين أمام الزحف الثقافى الغربى ، وألقوا أسلحتهم في الميدان كأنهم فلول
__________________
١ ـ د. على الخربوطلى : المستشرقون والتاريخ ص ٢٢ الهيئة المصرية العامة للكتاب بمصر ١٩٨٨ م.
٢ ـ ميخائيل أنجلو جويدى : علم الشرق وتاريخ الأديان ص ١١ ، ١٤ مجلة الزهراء. عدد ربيع الأول ١٣٤٧ ه القاهرة.