ومهما قيل عن أهداف تعلم العربية وإنشاء كرسى لها ، فإن الهدف التنصيرى واضح ، «فهذا أول جالس على كرسى اللغة العربية في جامعة كمبردج قد أعد مشروعا لم يكتمل تنفيذه قط لتفنيد القرآن» (١).
وبداية أخرى ـ سبقت إنشاء كرسى اللغة العربية في جامعة كمبردج ـ على يد الراهب «بطرس المبجل» (١٠٩٢ ـ ١١٥٦) رئيس ديركلونى الشهير ، فقد استقر رأيه على ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية بغية فهمه أولا ثم الرد عليه ثانيا.
هدف هذا الراهب من وراء ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية هو هداية المسلمين ـ فيما يظن ـ إلى الديانة النصرانية ـ وهذا هدف تبشيرى بالدرجة الأولى ، استخدم المبشرون فيه العلم لرد المسلمين عن دينهم (٢).
يقول الدكتور محمد البهى : «.. والسبب الرئيسى المباشر الذى دعا الأوربيين إلى الاستشراق ، هو سبب دينى في الدرجة الأولى .. فقد تركت الحرب الصليبية فى نفوس الأوربيين ما تركت من آثار مرة عميقة ، وقد تركزت أهداف الاستشراق ـ مع تنوعها أخيرا ـ فى خلق التخاذل الروحى ، وإيجاد شعور بالنقص في نفوس المسلمين والشرقيين عامة ، وحملهم من هذا الطريق على الرضا والخضوع للتوجيهات الغربية» (٣).
والهدف الدينى للاستشراق ـ أو قل للتنصير ـ سار في اتجاهين متعاكسين ، اتجاه الشمال ، واتجاه الجنوب ، اتجاه إلى العقل الأوربى المسيحى وآخر إلى العقل المسلم اتجه إلى الأول ليحول بينه وبين الإسلام بتشويهه وحجب محاسنه ، واتجه إلى الثانى بغرض التشكيك في العقيدة الإسلامية وزعزعة ثقته في نبوة محمد «صلىاللهعليهوسلم» ، فقد ظهرت في القرن الحادى عشر الميلادى كتب تناولت الإسلام ، قد حفلت بالاتهامات والشتائم ، وكلها تتصف بالتهور والافتراءات الغريبة التى لا تدل على تفكير سليم ، ولم تبذل محاولة جدية لفهم الإسلام أو دراسة حياة محمد «صلىاللهعليهوسلم» (٤).
من أجل هذا كانت ترجمة القرآن الكريم ، وإنشاء المدارس والمعاهد لتعليم العربية وكل ما يتعلق بالدين الإسلامى ، بغرض الجدل ومحاولة الإفحام.
__________________
١ ـ د. عبد اللطيف الطيباوى : المستشرقون الناطقون بالإنجليزية ص (٢١ ، ٢٢) ترجمة د. قاسم السامرائى. مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م.
٢ ـ دكتور : ساسى سالم الحاج : الظاهرة الاستشراقية ج ١ ص ٤٣ ـ ٤٤ (مالطا) ط أولى ١٩٩١ م.
٣ ـ د. محمد البهى : الفكر الإسلامى الحديث وصلته بالاستعمار الغربى ص ٤٣. مكتبة وهبة القاهرة. الطبعة العاشرة وأيضا : مصطفى خالدى ، وعمر فروخ : التبشير والاستعمار ص ٢٤ ، ٢٥ بيروت ١٩٨٢ م.
٤ ـ د. على حسنى الخربوطلى : المستشرقون والتاريخ الإسلامى ص ٥٦ ، ٥٧ الهيئة المصرية للكتاب بالقاهرة ١٩٨٨.