الفروع العلمية المرتبطة بالعلوم الاستعمارية في فرنسا وفي بريطانيا العظمى ... فقد كان المطلوب إجمالا فهم العقلية الإسلامية فهما جيدا لتسهيل الإدارة الاستعمارية للشعوب الإسلامية» (١).
وفي مطلع القرن العشرين ، لم يكن بإمكان رجال مثل بلفور وكرومر ـ وهم من عتاة ودهاة المحتل البريطانى ـ أن يقولوا ما قالوه ، وبالطريقة التى بها قالوا : إلا «لأن تراثا من الاستشراق ، أقدم من تراث القرن التاسع عشر ، زودهم بمفردات ، وصور ، وبلاغة ، ومجازات ليتولوه بها. ومع ذلك فإن الاستشراق عزّز ، وعزّر بالمعرفة الأكيدة لكون أوربا أو الغرب تسيطر ..» (٢) كان الاستشراق سجلا من المعلومات ، استخدمها المحتل ـ إنجليزى وفرنسى ـ للسيطرة على الشرق الإسلامى والسيادة عليه.
ومن الأمثلة العديدة لارتباط الاستشراق بالاستعمار ، يذكر الدكتور محمود حمدى زقزوق ، بعض النماذج للمستشرقين الذين كانوا أداة في يد الاستعمار ، منهم (كارل هينريس بيكر) (ت ١٩٣٣ م) مؤسس «مجلة الإسلام» الألمانية الذى قام بدراسات تخدم الأهداف الاستعمارية الألمانية في إفريقيا.
أما المستشرق الروسى (بارثولدBarthold) (ت ١٩٣٠ م) وهو مؤسس «مجلة عالم الإسلام» الروسية ، فقد تم تكليفه عن طريق الحكومة الروسية بالقيام ببحوث تخدم مصالح السيادة الروسية في آسيا الوسطى.
أما عالم الإسلاميات الهولندى (سنوك هورجرونية) (ت ١٩٣٦) فإنه في سبيل استعداده للعمل في خدمة الاستعمار توجه إلى مكة في عام ١٨٨٥ م ، بعد أن انتحل اسما إسلاميا ، وأقام هناك ما يقرب من نصف عام ، وكان يجيد العربية ، وقد لعب هذا المستشرق دورا مهما في تشكيل السياسة الثقافية والاستعمارية في المناطق الهولندية في الهند الشرقية ، كما شغل مناصب قيادية في السلطة الاستعمارية الهولندية في إندونيسيا (٣).
من المعروف أن معظم المستشرقين من المنصرين أو كانوا منصرين ، لذلك فإن التقاء المحتل الغاصب المنصرين هو التقاء بالمستشرقين ، يقول الدكتور محمد البهى : «أقبل الأوربيون على الاستشراق ليتسنى لهم تجهيز المبشرين وإرسالهم للعالم الإسلامى ، والتقت هنا مصلحة المبشرين مع أهداف الاستعمار فمكن لهم ، واعتمد
__________________
١ ـ مارسيل بوازار : الإسلام اليوم ص ١٩ ـ ٢٠ بيروت ١٩٨٦ م
٢ ـ د. إدوارد سعيد : المصدر السابق ص ٧٢.
٣ ـ د. محمود حمدى زقزوق : الاستشراق والخلفية الفكرية ص ٥٥ ـ ٥٦ مصدر سابق.