عليهم في بسط نفوذه في الشرق. وأقنع المبشرون زعماء الاستعمار بأن المسيحية ستكون قاعدة الاستعمار الغربى في الشرق ، وبذلك سهل الاستعمار للمبشرين مهمتهم وبسط عليهم حمايته ، وزودهم بالمال والسلطان ، وهذا هو السبب في أن الاستشراق قام في أول أمره على أكتاف المبشرين والرهبان ثم اتصل بالاستعمار» (١).
وأصبح دور المستشرق في ظل المد الاستعمارى يماثل دور المنصر ، وكأن الاستشراق ولد من أبوين غير شرعيين هما : الاستعمار والتنصير يضاف إليهما الصهيونية التى تهدف من سيطرتها على الاستشراق إلى الحيلولة دون تجمع المسلمين العرب في وحدة تقاوم الصهيونية (٢).
يقول أحد قادة فرنسا العسكريين في المغرب العربى ، مقالة المستشرقين : «أليس من الواجب أن نقلل من درجة قوتهم وديانتهم الزاهرة ... أقول هذا ، ويقينى بأننى لو كنت عالما بأن المسلمين سيطلعون على مقالى هذا ما غيّرت من لهجته» (٣).
قد يظن ظان أنه بعد رحيل العسكر عن بلادنا توارى الهدف الاستعمارى للاستشراق ، نقول : لا. لقد تنامى هذا الهدف ، فلقد كانوا يحتلون الأرض ، وأصبحوا الآن في ضوء هدفهم هذا يحتلون العقل والفكر ، تم لهم ذلك ، بعد أن «سقطت معظم الجامعات المنشأة في بلاد المسلمين ، تحت الأيدى الخفية للاستشراق والتبشير والدوائر الاستعمارية ، وغدت خططها ومناهجها تخضع بطريق غير مباشر لما تفرضه وغلبة هذه الأيدى الخفية ، وغدت الكنيسة الغربية تفخر بأن العلوم الإسلامية والعلوم العربية تدرس على طريقتها التى تخدم أغراضها في بلاد المسلمين. وبأن المشرفين على تدريس هذه العلوم من تلامذة أبنائها.
وأى انتكاس أقبح من هذا الانتكاس. أن يتعلم المسلمون دينهم ولغاتهم ، وفق طرائق أعدائهم وأعداء دينهم ، ووفق دسائسهم وتشويهاتهم ، وتحويراتهم وأكاذيبهم وافتراءاتهم : هل يقبل اليهود والنصارى أن يتعلموا أصول دياناتهم وفروعها على أيدى علماء المسلمين ، وأن يأخذوا منهم الشهادات كذلك؟
إن الاستعمار المادى أهون من هذا اللون من ألوان الاستعمار ، الذى وصل إلى
__________________
١ ـ د. محمد البهى : المصدر السابق ص ٤٣٠.
٢ ـ د. أحمد عبد الرحيم السائح : العلاقة بين الاستشراق والتبشير ص ٢٩١ ، د. محمد أحمد محمد : منهج نقد الاستشراق ... ص ١٨٥. الكتاب الدورى لقسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة العدد الأول ١٤١٣ ه ـ ١٩٩٣ م.
٣ ـ جريدة الفتح : محب الدين الخطيب السنة الخامسة جمادى الآخرة ع ٢٢٢ ، مصطفى نصر المسلاتى : الاستشراق السياسى ص ١٣٤ ـ ١٣٥ الطبعة الأولى. منشورات اقرأ طرابلس.