عند ما اجتهدوا في نقل صورة موضوعية لعالم الشرق متجردين من الآراء السبقية وعن كل لون من ألوان الانعكاس الذاتى» (١).
ويرى إدوارد سعيد في كلام بارت تعميما ، فيوافقه على أن في هذه الفترة بدأ طموح بعض المستشرقين لصياغة اكتشافاتهم ، وتجاربهم ، ونظراتهم الثاقبة ، بلغة حديثة مناسبة ، أو لجعل أفكارهم حول الشرق على اتصال وثيق بالواقع الحديث ... ومع أن الاستشراق مثل كثير من العلوم الطبيعية والاجتماعية ، له منطلقات للبحث وجمعياته العلمية ومؤسسته الخاصة إلا أنه أخضع للامبريالية ، والوضعية المنطقية ، والطوباوية والدارونية والعرقية والفرويدية والماركسية (٢) ...
ويدافع بارت عن الهدف العلمى للاستشراق بقوله : «نحن معشر المستشرقين ، عند ما نقوم اليوم بدراسات في العلوم العربية والعلوم الإسلامية لا نقوم بها فقط لكى نبرهن على صفة العالم العربى الإسلامى ، بل على العكس ، نحن نبرهن على تقديرنا الخالص للعالم الذى يمثله الإسلام ومظاهره المختلفة والذى عبر عنه الأدب العربى كتابة» (٣) ...
يبدو أن بارت فضلا عن أسلوبه التعميمى الفضفاض يبالغ في توجهات المستشرقين العلمية المجردة ، ومع الإقرار بتوافر نزعة التحرر ـ من سلطان الكنيسة والاستعمار ـ العلمية لدى القليل من المستشرقين «ولكن لا يشك كثيرا أيضا في أن الوصول إلى هذا الهدف لم يتحقق لعدد كبير من الدارسين للإسلام سواء من مات منهم أو من لم يزل حيا. وتنقسم جهودهم بطبيعتها إلى قسمين متميزين : نشر النصوص ، والدراسات التحليلية ... ولكن يمكن أن نقرر هنا على سبيل الإجمال أن النظرة العلمية للدارسين للإسلام ... كانت أقل عمقا في دراسات هؤلاء منها فى نشرهم النصوص. ولا تعوذنا الشواهد على نقص التجرد العلمى حتى بالنسبة لتحقيق أو ترجمة النصوص حيث كان الموضوع يستسلم لأهواء الآراء الثابتة المقررة عن الإسلام مما لا يزال قائما في عقول بعض الباحثين الغربيين (٤).
ويرجع بعض الباحثين الإسلاميين نمو الأغراض العلمية للدراسات الاستشراقية إلى أسباب عديدة منها : انحسار المد الاستعمارى المباشر بعد الحرب العالمية الثانية
__________________
١ ـ روى بارت : الدراسات العربية والاسلامية .. ص ١٧.
٢ ـ إدوارد سعيد : المصدر السابق ص ٧٣ ، ٧٤.
٣ ـ بارت السابق ص ١٠.
٤ ـ د. طيباوى : المستشرقون الناطقون بالإنجليزية ص ٢٤ ، ترجمة د. قاسم السامرائي.