البحث العلمى» (١) ، فبعض مناهجهم تنضح بالتعصب الذميم ، وتتخطى أصول المنهج العلمى.
فضلا عن نزعة التعالى والغرور. فالمستشرق يتعامل مع موضوعه ـ وهو هنا الإسلام والمسلمين ـ تعامل المغرور الذى يستأنس في نفسه المقدرة الفائقة ـ وموضوعه العجز ـ يشعر أن أصوله قوية ومتينة ، وأصول الغير أو الآخر منهارة أو هباء ونأخذ مثلا على ذلك «ماسينيون» وقد غمره الشعور بالرحمة المسيحية الحانية على الشرق وأهله ، فيقول : «فيما يخص الشرقيين ، علينا أن نلجأ إلى علم الرحمة الحانية هذا ، إلى هذه المشاركة حتى في بناء لغتهم وبنيتهم العقلية ، التى ينبغى بحق أن نشارك فيها ، لأن هذا العلم في نهاية المطاف يشهد إما لحقائق هى لنا أيضا ، أو لحقائق فقدناها وعلينا أن نستعيدها.
وأخيرا لأن كل ما هو موجود هو ، بمعنى عميق خير بطريقة ما. هؤلاء البشر المساكين المستعمرون لا يوجدون لأغراضنا وحسب بل يوجدون بذاتهم ولذاتهم (٢).
وحول نزعة التعالى والبعد عن الموضوعية يقول الدكتور «فرانتز روزنتال» : ومن المزالق التى يندر أن يتحاشاها الباحثون الغربيون عند تقديرهم البحث العلمى عند المسلمين أنهم يضعون مقاييس صارمة يحكمون بموجبها على ما أنتجه الفكر الإسلامى ، مقاييس أشد صرامة من تلك التى نطبقها على ذواتنا نحن الغربيين. فإن العدل والإنصاف يقتضياننا أن نميز بين مختلف أنواع النشاط الأدبى ومراتبه التى من شأنها أن تترك أثرا بعيد الغور في طبيعة النتاج العلمى الرفيع ، على أننا قلّ أن نرى عالما غربيا يراعى هذا التمييز عند ما يحكم على البحث العلمى عند المسلمين» (٣).
وأخيرا ، وبعد الإشارات السابقة عن بعض مناهج الكثير من المستشرقين فى تناولهم الإسلام وعلومه ، فإننا لا نستطيع أن نخرج إلا بدرس واحد هو : الريبة وعدم الثقة بكثير من الكتابات التى تعرض تحت : الأكاديمية والمنهجية وهى تخفى آراء عقائدية وأحقادا مختلفة ، فضلا عن الأحكام المسبقة وما لها من تأثير ـ شعورى أو لا شعورى ـ يؤدى إلى اختلال المنهج.
وأين هذه الادعاءات المنهجية من قول الله جل وعلا في قرآننا الكريم : (وَلا
__________________
١ ـ د. حسن الهراوى : ضرر المستشرقين أكثر من نفعهم مقال بمجلة الهلال. ع ٣ ، ١٩٣٣ م.
٢ ـ د. إدوارد سعيد : السابق ص ٢٧٣.
٣ ـ د. فرانتز روزنتال : مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمى ترجمة د. أنيس فريحة ص ١٩. دار الثقافة. بيروت ١٤٠٠ ه ـ ١٩٨٠ م.