أو قبلناه قلنا :
إن المعجزة لا تدل على الصدق ، فحينئذ تبطل نبوة سائر الأنبياء وإن اعترفنا بصحة التواتر ، واعترفنا بدلالة المعجزة على الصدق ثم إنهما حاصلان في حق محمد وجب الاعتراف قطعا بنبوة محمد.
ضرورة عند الاستواء في الدليل لا بدّ من الاستواء في حصول المدلول (١).
على أية حال فإن «محمد «صلىاللهعليهوسلم» ادعى النبوة بين قوم لا كتاب لهم ولا حكمة فيهم بل كانوا معرضين عن الحق معتكفين إما على عبادة الأوثان كمشركى العرب ، وإما على دين التشبيه وصفة التزوير وترويج الأكاذيب المفتريات كاليهود وإما على عبادة الإلهين ونكاح المحارم كالمجوس. وإما على القول بالأب والابن والتثليث كالنصارى فقال لهم إنى بعثت من عند الله بالكتاب والحكمة الباهرة لأتمم مكارم الأخلاق وأكمل الناس في قوتهم العلمية بالعقائد الحقة والعملية بالأعمال الصالحة وأنور العالم بالإيمان والعمل الصالح ، ففعل ذلك وظهر دينه على الدين كله كما وعده الله. ولا معنى للنبوة ـ فيما يقول الرازى ـ إلا ذلك لأنه كان لا معنى للنبوة إلا تكميل الناقصين في القوة النظرية وفي القوة العملية ورأينا أن ما حصل من هذا الأثر بسبب مقدم محمد «صلىاللهعليهوسلم» أكمل وأكثر مما ظهر بسبب مقدم موسى وعيسى ـ عليهماالسلام ـ علمنا أنه كان سيد الأنبياء (٢).
ويمثل الشيخ رشيد رضا لذلك برجل «ادعى في بلاد كثرت فيها الأمراض أنه طبيب وأن دليله .. يداوى المرضى .. فيبرءون .. ثم عرض عليه ما لا يحصى عددا من المرضى وقبلوا ما وصفه لهم من الأدوية فبرءوا من عللهم وصاروا أحسن الناس صحة فهل يمكن المراء في صحة هذه الدعاوى ..؟ كلا.
(فضلا عن أن) العلم بطب الأرواح أعلى وأعز منالا من العلم بطب الأجساد وأن معالجة أمراض الأخلاق وأدواء الاجتماع أعسر من مداواة أعضاء الأفراد ... ومن المعلوم بالضرورة أن النبى «صلىاللهعليهوسلم» عالج (بالقرآن) أمة عريقة في الشقاق وحمية الجهل ، عريقة في الجهل والأمية ورذائل الوثنية فشفيت واتحدت وتعلمت الكتاب والحكمة .. مع أنه كان أميا ..» (٣).
ادعى محمد «صلىاللهعليهوسلم» ـ إذن ـ أنه نبى يأتيه وحى السماء واقترنت دعوته بوقوع
__________________
١ ـ الرازى : مناظرة في الرد على النصارى ص ٢٢. تحقيق د. عبد المجيد النجار. دار الغرب الإسلامى ـ بيروت ١٩٨٦ م.
٢ ـ الرازى : محصل أفكار المتقدمين .. ص ٩٦ ـ ٩٧.
٣ ـ رشيد رضا : تفسير المنار ج ١ ص ١٨٣.