الخارق للعادة يجريه الله تعالى على يديه وهنا نبين اكتمال هذا الشرط وتحققه فى دعوة نبينا «صلىاللهعليهوسلم» وندلل عليه بوجوه :
أحدها : أن محمدا «صلىاللهعليهوسلم» ظهر القرآن عليه ، والقرآن ـ معجزته الكبرى ـ كما اتضح لنا من قبل ـ كتاب شريف بالغ في فصاحة اللفظ وفي كثرة العلوم ... علوم الأخلاق وعلوم السياسات وعلم تصفية الباطن وعلم أحوال القرون الماضية.
ثانيها : أن محمدا «صلىاللهعليهوسلم» تحدى العالمين بمعارضة القرآن وقرعهم بالعجز عن الإتيان بمثله فلم يأتوا به لا لوجه سوى عجزهم وقصورهم عن الإتيان بمثله فضلا عن أن القرآن الذى أوحى إليه موجود محفوظ ينطوى على وجوه من الإعجاز لا تنحصر ، أبدا عن جوانب منها.
وإذا كان «سبيل تعريف الله تعالى عباده صدق الرسل بالآيات الخارقة للعادة كسبيل تعريفه إياهم الصفات الإلهية بالآيات الدالة عليها ... (فكما) علم آدم الأسماء كلها ثم عرضها على الملائكة ، وكما علم المصطفى القرآن وقال فأتوا بسورة من مثله فكما عجزت الملائكة عن معارضة آدم بالأسماء عجزت العرب والعجم عن معارضة المصطفى بآيات القرآن. ودلت الآيات على صدق النبى الأول والنبى الآخر ولما ثبت صدق الأول كان مبشرا بمن بعده إلى الآخر ولما ثبت صدق الآخر كان هو مصدقا لمن قبله إلى الأول (١).
والذى يدل على صدق محمد أيضا أن اليهود لا ينازعون «فى أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى ـ عليهالسلام ـ وجعل هذا الكتاب إماما يقتدى به ، ثم أن التوراة مشتمل على البشارة ـ كما سنبين ذلك بعد ـ بمقدم محمد «صلىاللهعليهوسلم» لذلك نقول لهم : «... فإذا سلمتم كون التوراة إماما يقتدى به فاقبلوا حكمه في كون محمدا «صلىاللهعليهوسلم» حقّا من الله» (٢).
أثبتنا في غير هذا المكان أن المعجزات براهين من الله تعالى إلى عباده بصدق رسله وأنبيائه ، فإذا «ظهر على مدعى النبوة من فعل الله تعالى ما ينقض العادة عند دعوى المدعى رسالة وكان الذى ظهر مطابقا لدعواه ... علم بذلك أنه تعالى قصد بذلك تصديقه في دعواه وصار إظهاره لذلك مطابقا لدعواه بمنزلة قول الله : صدق ؛ هو رسولى إليكم فلما ادعى محمد «صلىاللهعليهوسلم» النبوة وجاء بالقرآن خارقا عادة العرب في الفصاحة
__________________
١ ـ الشهرستانى : الملل والنحل ج ١ ص ١٠٩ بهامش الفصل لابن حزم.
٢ ـ الرازى : التفسير الكبير ج ٢٨ ص ١٢.