من معجزات موسى وعيسى ـ عليهماالسلام ـ لأن مجىء محمد «صلىاللهعليهوسلم» تصديق لهما من جهتين :
الأولى : «من جهة إخبارهم بمجيئه ومبعثه» (١) وسنأتى على تفصيل هذا فى غير هذا الموضع.
الثانية : «من جهة إخباره بمثل ما أخبروا به ومطابقته ما جاء به لما جاءوا به».
فإن الرسول الأول إذا أتى بأمر لا يعلم إلا بوحى ثم جاء نبى آخر لم يقارنه فى الزمان ولا في المكان ولا تلقى عنه ما جاء به وأخبر به سواء. دل ذلك على صدق الرسولين الأول والآخر».
ولا يشترط في إخبار النبى المقدم عن النبى المتأخر «أن يخبرنا بالتفصيل التام بأنه يخرج من القبيلة الفلانية في السنة الفلانية في البلد الفلانى ... وقد يبقى خفيا لا يعرفون مصداقه إلا بعد دعاء النبى اللاحق أن النبى المقدم أخبر عنى وظهور صدق ادعائه بالمعجزات وعلامات النبوة». (٢)
أما نفيهم النسخ وإنكارهم نبوة محمد «صلىاللهعليهوسلم» لهذا السبب فلا حجة لهم فيه بعد أن أوضحنا جوازه ، فقد كان «يوشع نبيا في زمن موسى وبقى بعده وقد نسخ شريعته بشريعة موسى» (٣).
كذلك فإن قول العيسوية ـ من اليهود ـ أنه «صلىاللهعليهوسلم» رسول إلى العرب خاصة فظاهر البطلان لأنهم لما صدقوا بالرسالة لزمهم تصديقه في كل ما يخبر به ، فمتى «ثبت أنه نبى ، فالنبى لا يكذب وقد قال : (بعثت إلى الناس كافة) وقد كتب إلى قيصر وكسرى وسائر ملوك العجم» (٤) وهذا معلوم متواتر «كما علم وجوده ودعواه ورسالته» ولما ثبت أنه «صلىاللهعليهوسلم» ادعى «أنه مبعوث إلى الكافة ثم صدقه الله تعالى بالإعلام المعجزة فإنه لا بد من أن يكون مبعوثا إلى الأحمر والأسود» (٥).
وطبيعى أن من صدق به نبيا إلى العرب يلزمه التصديق به نبيا إلى الناس كافة ما دام الأمران ثابتين بالروايات التى يحتج بها ، فضلا عن أنه «صلىاللهعليهوسلم» لم يعدم المعجزة الدالة على صدقه. فلا حجة إذن لمن أنكر نبوته من العنانية من اليهود أو من حدها بالعرب.
__________________
١ ـ ابن القيم : إغاثة اللهفان ج ٢ ص ٣٥١.
٢ ـ رحمة الله الهندى : إظهار الحق ج ٢ ص ١٣٤
٣ ـ ابن القيم : إغاثة اللهفان ج ٢ ص ٣٥١ وأيضا : النبوة في الإسلام للمؤلف.
٤ ـ ابن الجوزى : تلبيس إبليس ص ٧١ ادار الطباعة المنيرة.
٥ ـ القاضى عبد الجبار : شرح الأصول الخمسة ٥٨٣.