قد كنت أعلم أنه خارج ـ قال ذلك لما رأى من علامات نبوته المتمثلة فى سيرته ـ ولكن لم أظن أنه منكم. وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمى هاتين ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه».
وفى مرسل ابن إسحاق أن هرقل قال : «ويحك والله إنى لأعلم أنه نبى مرسل ولكنى أخاف الروم على نفسى ولو لا ذلك لاتبعته» (١).
إن النبوة قائمة على الصدق والذين اتبعوه «صلىاللهعليهوسلم» اتبعوه لأنه صادق ، ولو رأوا وهم الذين يخالطونه ـ ليل نهار ـ ذرة شبهة لأنكروا وبينوا وهم من هم.
لقد كانت صورة الصدق والإخلاص سمة من السمات التى اتصف بها الرسول «صلىاللهعليهوسلم» قبل البعثة وبعد بعثته ... أعلن الرسول «صلىاللهعليهوسلم» إلى قريش نبوته فقال لهم : (أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا وراء هذا الوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم تصدقونى؟) لقد كانت إجابتهم : تعبر عن الحقيقة التى لمسوها. لقد قالوا : نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط وفى هذا يقول النضر بن الحارث لقريش «لقد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم فى صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم ـ إنه ـ ساحر. لا والله ما هو بساحر» (٢). هذا ما ركز عليه هرقل فاستدل بمنطقه ورحب تفكيره على نبوة محمد «صلىاللهعليهوسلم».
رابعا : إخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوته :
إن ظاهرة عامة كنبوة نبينا محمد «صلىاللهعليهوسلم» للعالمين جميعا تحتاج إلى مقدمات ومبشرات توجد استعدادا عاما عند الناس لها. والدارس للنصوص التاريخية التى تتحدث عن الفترة السابقة على بعثته وأثنائها يلاحظ أن الناس الذين لهم صلة بكتاب سماوى كان واضحا فى أذهانهم أنه سيبعث نبى وكانوا يترقبون ظهوره وأن بعض علمائهم قد أعلن إسلامه بمجرد لقائه بهذا النبى الأمى كعبد الله بن سلام حبر اليهود وعالمهم.
من ذلك أيضا قصة سلمان الفارسى كما تذكرها الروايات وتنقله من عالم إلى عالم فى النصرانية ... حتى دله آخرهم على الترقب لنبى كاد أن يبعث من أرض العرب. وذلك بسبب مجيئه إلى أرض العرب (٣).
__________________
١ ـ القسطلانى : إرشاد السارى لشرح صحيح البخارى ج ٥ ص ١١٣.
والعسقلانى : فتح البارى بشرح صحيح البخارى ج ١ ص ٢٦ ـ ٢٧.
٢ ـ البيهقى : دلائل النبوة ج ١ ص ٤٤٨ المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
٣ ـ ابن كثير : السيرة ج ١ ص ٢٩٦ ـ ٣٠٣ مطبعة الحلبى.