لصعوبته ومعارضته الوساوس الشيطانية فيه ، ولكونه إقرارا بأن له الخلق والامر ، وهذا كمال التوحيد ، أو المعنى أنه من أعظم الاسباب والدواعي لعبادة الرب تعالى كما عرفت. وكذا قولهم عليهمالسلام : ما عظم الله بمثل البداء يحتمل الوجهين وإن كان الاول فيه أظهر. وأما قول الصادق عليهالسلام : لو علم الناس ما في القول بالبداء من الاجر مافتروا عن الكلام فيه فلما مر أيضا من أن أكثر مصالح العباد موقوفة على القول بالبداء إذلو اعتقدوا أن كل ما قدر في الازل فلابد من وقوعه حتما لما دعوا الله في شئ من مطالبهم ، وما تضرعوا إليه ، وما استكانوا لديه ، ولاخافوا منه ولارجعوا إليه ، (١) إلى غير ذلك مما قد أو مأنا إليه. وأما أن هذه الامور من جملة الاسباب المقدرة في الازل أن يقع الامر بها لابدونها فمما لايصل إليه عقول أكثر الخلق فظهر أن هذا اللوح وعلمهم بما يقع فيه من المحو والاثبات أصلح لهم من كل شئ.
بقي ههنا إشكال آخر وهو أنه يظهر من كثير من الاخبار المتقدمة أن البداء لايقع فيما يصل علمه إلى الانبياء والائمة عليهم الصلاة والسلام ، ويظهر من كثير منها وقوع البداء فيما وصل إليهم أيضا ، ويمكن الجمع بينها بوجوه :
الاول : أن يكون المراد بالاخبار الاولة عدم وقوع البداء فيما وصل إليهم على سبيل التبليغ بأن يؤمروا بتبليغه ليكون إخبارهم بها من قبل أنفسهم لا على وجه التبليغ.
الثانى : أن يكون المراد بالاولة الوحي ويكون وما يخبرون به من جهة الالهام واطلاع نفوسهم على الصحف السماوية ، وهذا قريب من الاول.
الثالث : أن تكون الاولة محمولة على الغالب فلا ينافي ما وقع على سبيل الندرة.
الرابع : ما أشار إليه الشيخ قدس الله روحه من أن المراد بالاخبار الاولة عدم وصول الخبر إليهم وأخبارهم على سبيل الحتم فيكون أخبارهم على قسمين : أحدهما ما اوحي إليهم أنه من الامور المحتومة فهم يخبرون كذلك ولابداء فيه وثانيهما ما يوحي
___________________
(١) وفى نسخة : ولارجوا إليه.