ابن عباس : معناه هادي من فيهما ، فهم بنوره يهتدون ، وإضافته إليهما للدلالة على سعة إشراقه ، ولاشتمالهم على الانوار الحسية والعقلية ، وقصور الادراكات البشرية عليهما وعلى المتعلق بهما والمدلول لهما.
«مثل نوره» صفة نوره العجيبة الشأن ، وإضافته إلى ضميره سبحانه دليل على أن إطلاقه عليه لم يكن على ظاهر «كمشكوة» كصفة مشكاة ، وهي الكوة الغير النافذة «فيها مصباح» سراج ضخم ثاقب. وقيل : المشكاة «الانبوبة في وسط القنديل ، والمصباح : الفتيلة المشتعلة» المصباح في زجاجة «في قنديل من الزجاج» الزجاجة كأنها كوكب دري» مضيئ متلالئ كالزهرة في صفائه وزهرته منسوب إلى الدر ، أو فعيل كبريق من الدرء ، فإنه يدفع الظلام بضوئه ، أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه ، إلا أنه قلب همزته ياءا ، ويدل عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الاصل ، وقراءة أبي عمرو والكسائي درئ كشريب ، وقد قرئ به مقلوبا «يوقد من شجرة مباركة زيتونة» أي ابتداء توقد المصباح من شجرة الزيتون المتكاثر نفعه بأن رويت زبالتها بزيتها ، وفي إبهام الشجرة ووصفه بالبركة ثم إبدال الزيتونة عنها تفخيم لشأنها. وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالياء والبناء للمفعول من أوقد ، وحمزة والكسائي وأبوبكر بالتاء كذلك على إسناده إلى الزجاجة بحذف المضاف. وقرئ توقد بمعنى تتوقد وتوقد بحذف التاء لاجتماع الزيادتين وهو غريب «لا شرقية ولا غربية» يقع الشمس عليها حينا بعد حين بل بحيث يقع عليها طول النهار كالتي تكون على قلة أو صحراء واسعة فإن ثمرتها تكون أنضج ، وزيتها أصفى ، أولاثابتة في شرق المعمورة وغربها بل في وسطها وهو الشام ، فإن زيتونه أجود الزيتون ، أولا في مضحى(١) تشرق الشمس عليها دائما فتحرقها ومقناة(٢) تغيب عنها دائما فيتركها نيا. وفي الحديث : لاخير في شجرة ولا في نبات في مقناة ، ولاخير فيها في مضحى «يكاد زيتها يضيئ ولو تمسسه نار» أي يكاد يضيئ بنفسه من غير نار لتلالوئه وفرط بيضه «نور على نور» متضاعف فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت وزهرة القنديل ، وضبط المشكاة لاشعته.
___________________
(١) أرض مضحاة : معرضة للشمس أولا يكاد تغيب عنها الشمس.
(٢) المقناة والمقنوة : الموضع الذى لاتطلع عليه الشمس.