وقد ذكر في معنى التمثيل وجوه :
الاول : أنه تمثيل للهدى الذي دل عليه الآيات البينات في جلاء مضمونها و ظهور ما تضمنته من الهدى بالمشكاة المنعوتة. أو تشبيه للهدى من حيث إنه محفوظ من ظلمات أوهام الناس وخيالاتهم بالمصباح ، وإنما ولى الكاف المشكاة لاشتمالها عليها ، وتشبيهه به أوفق من تشبيهه بالشمس. أو تمثيل لما نور الله به قلب المؤمن من المعارف والعلوم بنور المشكاة المثبت فيها من مصباحها ، ويؤيده قراءة ابي مثل نور المؤمن. أو تمثيل لما منح الله عباده من القوي الدراكة الخمس المترتبة التي بها المعاش والمعاد ، وهي الحاسة التي تدرك المحسوسات بالحواس الخمس ، والخيالية التي تحفظ صورة تلك المحسوسات لتعرضها على القوة العقلية متى شاءت ، والعلمية التي تدرك الحقائق الكلية ، والمفكرة وهي التي تؤلف المعقولات لتستنتج منها علم مالم تعلم ، والقوة القدسية التي يتجلى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت المختصة بالانبياء والاولياء المعنية بقوله تعالى : «ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا» بالاشياء الخمسة المذكورة في الآية ، وهي المشكاة ، والزجاجة ، والمصباح ، والشجرة ، والزيت ، فإن الحاسة كالمشكاة لان محلها كالكوة ، ووجهها إلى الظاهر لا يدرك ماوراءها وإضاءتها بالمعقولات لابالذات ، والخيالية كالزجاجة في قبول صور المدركات من الجوانب وضبطها للانوار العقلية ، وإنارتها بما يشتمل عليها من المعقولات ، والعاقلة كالمصباح لاضاءتها بالادراكات الكلية ، والمعارف الالهية ، والمفكرة كالشجرة المباركة لتأديتها إلى ثمرات لانهاية لها ، والزيتونة المثمرة بالزيت الذي هو مادة المصابيح التي لاتكون شرقية ولاغربية ، لتجردها عن اللواحق الجسمية ، أو لوقوعها بين الصور والمعاني متصرفة في القبيلتين ، منتفعة من الجانبين ، والقوة القدسية كالزيت فإنها لصفائها وشدة ذكائها تكاد زيتها تضيئ بالمعارف من غير تفكر ولا تعليم.
أو تمثيل للقوة العقلية في مراتبها بذلك
فإنها في بدء أمرها خالية عن العلوم ، مستعدة لقبولها كالمشكاة ، ثم ينتقش بالعلوم الضرورية بتوسط إحساس الجزئيات ، بحيث يتمكن من تحصيل النظريات فتصير كالزجاجة متلالئة في نفسها قابلة للانوار ،