قبل السؤال بواجب عليه لكنه كان أدبا أن يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله ، على أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عزوجل. وقوله : وأنا أول المؤمنين يقول : أنا أول المؤمنين ـ من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن بسأل ربه أن يريه ينظر إليه ـ بأنك لاترى.
والاخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا ـ رضى الله عنهم ـ في مصنفاتهم عندي صحيحة ، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عزوجل وهو لايعلم.
والاخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره والتي أوردها محمد بن أحمد ابن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا يردها إلا مكذب بالحق أو جاهل به ، و ألفاظها ألفاظ القرآن ، ولكل خبر معنى ينفي التشبيه والتعطيل ، ويثبت التوحيد ، وقد أمرنا الائمة صلوات الله عليهم أن لانكلم الناس إلا على قدر عقولهم ، ومعنى الرؤية هنا الواردة في الاخبار : العلم ، وذلك أن الدنيا دارشكوك وارتياب وخطرات ، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله واموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك و يعلم حقيقة قدرة الله عزوجل وتصديق ذلك في كتاب الله عزوجل : «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد» فمعنى ما روي في الحديث أنه عزوجل يرى أي يعلم علما يقينيا ، كقوله عزوجل : «ألم تر إلى ربك كيف مد الظل» وقوله : «ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه» وقوله «ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت» وقوله : «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل» وأشباه ذلك من رؤية القلب و ليست من رؤية العين ، وأما قول الله عزوجل : «فلما تجلى ربه للجبل» (١) فمعناه : لما
___________________
(١) قال الرضى في تلخيصه : هذه استعارة على أحد وجهى التأويل وهو أن يكون المعنى : فلما حقق تعالى بمعرفته لحاضرى الجبل الايات التى أحدثها في العلم بحقيقته عوارض الشبه وخوالج الريب ، وكأن معرفته سبحانه تجلت لهم من غطاء أو برزت لهم من حجاب. وأما التأويل الاخر و هو أن يقدر في الكلام محذوف ، هو سلطانه أو أمره سبحانه ، ويكون تقدير الكلام : فلما تجلى أمر ربه أو سلطان ربه للجبل ، ويكون ذلك مثل قوله : «وجاء ربك» أى ملائكة ربك أو أمر ربك أو عقاب ربك ، وهذه استعارة من وجه آخر وهو من حيث وصف الامر أو السلطان بالتجلى وإنما المتجلى حاملهما والوارد بهما.