للمبرسمين والمجانين ، وكذا التعقل إذا اشتد يصير مشاهدة قلبية ورؤية عقلية ، لاخيالية ولا حسية ، وبالجملة الاحساس والتخيل والتعقل أنواع متقابلة من المدارك كل منها في عالم آخر من العوالم الثلاثة ، ويكون تأكد كل منها حجابا مانعا عن الوصول إلى الآخر ، فإذا تمهد هذا فنقول : اتفق الجميع أن المعرفة من جهة الرؤية أمر ضروري ، وأن رؤية الشئ متضمنة لمعرفته بالضرورة ، بل الرؤية بالحس نوع من المعرفة ، فإن من رأي شيئا فقد عرفه بالضرورة ، فإن كان الايمان بعينه هو هذه المعرفة التي مرجعها الادراك البصري والرؤية الحسية فلم تكن المعرفة العلمية التي حصلت للانسان من جهة الاكتساب بطريق الفكر والنظر إيمانا لانها ضده ، لانك قد علمت أن الاحساس ضد التخيل ، وأن الصورة الحسية ضد الصورة العقلية فإذا لم يكن الايمان بالحقيقة مشتركا بينهما ، ولا أمرا جامعا لهما لثبوت التضاد وغاية الخلاف بينهما ، ولاجنسا مبهما بينهما غير تام الحقيقة المتحصلة كجنس المتضادين مثل اللونية بين نوعي السواد و البياض لان الايمان أمر محصل وحقيقة معينة ، فهو إما هذا وإما ذاك فإذا كان ذاك لم يكن هذا ، وإن كان هذا لم يكن ذاك ثم ساق الدليل إلى آخره كما مر ، ولا يخفى أن شيئا من الوجوه لا يخلو من تكلفات إما لفظية وإما معنوية ، ولعله عليهالسلام بنى ذلك على بعض المقدمات المقررة بين الخصوم في ذلك الزمان إلزاما عليهم كما صدر عنهم كثير من الاخبار كذلك ، والله تعالى يعلم وحججه حقائق كلامهم عليهمالسلام.
تذييل : اعلم أن الامة اختلفوا في رؤية الله تعالى على أقوال فذهبت الامامية والمعتزلة (١)
___________________
(١) ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ، وافترقت المعتزلة عشرين فرقة : الواصلية ، و العمروية ، والهذيلية ، والنظامية ، والاسوارية ، والمعمرية ، والاسكافية ، والجعفرية ـ أصحاب جعفر بن حرب الثقفى المتوفى سنة ٢٣٤ هـ وجعفر بن مبشر الهمداني المتوفى سنة ٢٣٦ هـ ـ والبشرية ، والمردارية والهشامية ـ اصحاب هشام بن عمر الفوطى ـ والثمامية ، والجاحظية ، والحياطية ، وأصحاب صالح بن قبة ، والمريسية ، والشحامية ، والكعبية ، والجبائية ، والبهشمية ـ المنسوبة إلى أبى هاشم الجبائي والذى يعم جميع فرقهم من الاعتقاد القول : بأن الله قديم ، والقدم أخص وصف ذاته ، ونفوا الصفات القديمة أصلا فقالوا : هو عالم لذاته ، قادر لذاته ، حى لذاته ، لا بعلم وقدرة وحياة ، هى صفات قديمة ومعان قائمة به. وبأن كلامه محدث مخلوق في محل وهو حرف وصوت. كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه وبأن الارادة والسمع والبصر ليست بمعان قائمة بذاته ، واختلفوا في*