احتضاره وانقطاع التكليف عنه مع أنه حي ـ من العذاب الدائم الذي قد أعد له ، و إعلامه أنه صائر إليه.
ورابعها أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفار من الفرائض والحقوق في أموالهم لان ذلك يؤخذ منهم على كره ، وهم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نية ولا عزيمة فتصير نققتهم غرامة وعذابا من حيث لا يستحقون عليها أجرا ، وفي هذا الوجه نظر. (١)
________________
(١) قال قدس الله روحه : وهذا وجه غير صحيح ، لان الوجه في تكليف الكافر اخراج الحقوق من ماله ، كالوجه في تكليف المؤمن ذلك ، ومحال أن يكون انما كلف اخراج هذه الحقوق على سبيل العذاب والجزاء ، لان ذلك لا يقتضى وجوبه عليه ، والوجه في تكليف الجميع هذه الامور هو المصلحة واللطف في التكليف ، ولا يجرى ذلك مجرى ما قلناه في الجواب الذى قبل هذا من أن المصائب والغموم تكون للمؤمنين محنة وللكافرين عقوبة ، لان تلك الامور مما يجوز أن يكون وجه حسنها للعقوبة والمحنة جميعا ، ولا يجوز في هذه الفرائض أن يكون لوجوبها على المكلف إلا وجه واحد وهو المصلحة في الدين ، فافترق الامران ، وليس لهم أن يقولوا : ليس التعذيب في إيجاب الفرائض عليهم ، وإنما هو في إخراجهم لاموالهم على سبيل التكره والاستثقلال ، وذلك أنه اذا كان الامر على ما ذكروه خرج الامر من أن يكون مرادا لله تعالى ، لانه عزوجل ما أراد منهم اخراج المال على هذا الوجه بل على الوجه الذى هو طاعة وقربة ، فاذا أخرجوها متكرهين مستثقلين لم يرد ذلك ، فكيف يقول : إنما يريد الله ليعذبهم بها؟ ويجب أن يكون ما يعذبون به شيئا يصح أن يريده الله تعالى.
(٢) أقول : أورد شيخ الطائفة في التبيان وجوها اخر ، أولها ما حكى عن ابن زيد أن المعنى : انما يريد الله ليعذبهم يحفظها والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها.
ثانيها : أن مفارقتها وتركها والخروج عنها بالموت صعب عليهم شديد ، لانهم يفارقون النعم ، لا يدرون إلى ماذا يصيرون بعد الموت ، فيكون حينئذ عذابا عليهم ، بمعنى أن مفارقتها غم وعذاب ; ومعنى تزهق أنفسهم أى تهلك وتذهب بالموت ، يقال : زهق بضاعة فلان أى ذهبت أجمع. وأورد وجوها اخر متقاربة مع ما ذكره السيد رحمه الله وقال بعد ذلك : وليس في الاية ما يدل على ان الله تعالى أراد الكفر على ما يقوله المجبرة ، لان قوله : «وهم كافرون» في موضع الحال ، كقولك : اريد أن نذمه فهو كافر ، وأريد أن نضربه وهو عاص ، وأنت لا تريد كفره ولا عصيانه ، بل تريد ذمه في حال كفره وعصيانه ، وتقدير الاية : انما يريد الله عذابهم وازهاق أنفسهم ، أى أى اهلاكها في حال كونهم كافرين. «التبيان ج ١ ص ٨٣٧».