بالكائن قبل كونه ، وليزداد آدم عليهالسلام يقينا بربه ، ويدعوه ذلك إلى التوفر على طاعته ، والتمسك بأوامره ، والاجتناب لزواجره. فأما الاخبار التي جاءت بأن ذرية آدم عليهالسلام استنطقوا في الذر فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقروا فهي من أخبار التناسخية ، وقد خلطوا فيها ومزجوا الحق بالباطل ، والمعتمد من إخراج الذرية ما ذكرناه دون ما عداه مما استمر القول به على الادلة العقلية والحجج السمعية ، وإنما هو تخليط لا يثبت به أثر على ما وصفناه.
فصل : فإن تعلق متعلق بقوله تبارك اسمه : «وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين (١) فظن ظاهر هذا القول تحقق ما رواه أهل التناسخ والحشوية والعامة في إنطاق الذرية وخطابهم وأنهم كانوا أحياءا ناطقين. فالجواب عنه أن لهذه الآية من المجاز في اللغة كنظائرها مما هو مجاز واستعارة والمعنى فيها أن الله تبارك وتعالى أخذ من كل مكلف يخرج من ظهر آدم وظهور ذريته العهد عله بربوبيته ، من حيث أكمل عقله ، ودله بآثار الصنعة على حدثه ، وأن له محدثا أحدثه لا يشبهه يستحق العبادة منه بنعمه عليه ، فذلك هو أخذ العهد منهم ، وآثار الصنعة فيهم ، والاشهاد لهم على أنفسهم بأن الله تعالى ربهم ، وقوله تعالى : «قالوا بلى» يريد به أنهم لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ، ودلائل حدثهم اللازمة لهم ، وحجة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، فكأنه سبحانه لما ألزمهم الحجة بعقولهم على حدثهم ووجود محدثهم قال لهم : «ألست بربكم»؟ فلما لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدث لهم كانوا كقائلين : «بلى شهدنا» وقوله تعالى : «أن يقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون «ألا ترى أنه احتج عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة أن يتأولوا في إنكاره ولا يستطيعون ، وقد قال سبحانه : « والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه
________________
(١) الاعراف : ١٧٢.