بعض الاخبار أن المراد بالتفويض المنفي هو كون العبد مستقلا في الفعل لا يقدر الرب تعالى على صرفه عنه ، والامر بين الامرين هو أنه جعلهم مختارين في الفعل و الترك مع قدرته على صرفهم عما يختارون ، ومنهم من فسر الامر بين الامرين بأن الاسباب القريبة للفعل يرجع إلى قدرة العبد ، والاسباب البعيدة كالآلات والاسباب والاعضاء والجوارح والقوى إلى قدرة الرب تعالى ، فقد حصل الفعل بمجموع القدرتين; وفيه أن التفويض بهذا المعنى لم يقل به أحد حتى يرد عليه ; ومنهم من قال : الامر بين الامرين هو كون بعض الاشياء باختيار العبد وهي الافعال التكليفية ، وكون بعضها بغير اختياره كالصحة والمرض والنون واليقظة ، والذكر والنسيان وأشباه ذلك ، ويرد عليه ما أوردناه على الوجه السابق والله تعالى يعلم وحججه عليهمالسلام. وبسط القول في تلك المسألة وإيراد الدلائل والبراهين على ما هو الحق فيها ودفع الشكوك والشبه عنها لا يناسب ما هو المقصود من هذا الكتاب ، والله يهدي من يشاء إلى الحق والصواب.
*(باب ٣)*
*(القضاء والقدر (١) والمشية والارادة وسائر أسباب الفعل)*
الايات ، البقرة : «٢» ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ٢٥٣.
آل عمران «٣» وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ١٤٥.
الانعام «٦» ولو شاء الله ما أشركوا ١٠٧ «وقال تعالى» : ولو شاء الله ما فعلوه فذره وما يفترون ١٣٧ «وقال تعالى» : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون * قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين ١٤٨ ـ ١٤٩.
________________
(١) مسألة القضاء والقدر من العقائد التى جاءت بها جميع الاديان ، وليست خاصة بالمسلمين ، ولكثرة استعمال هاتين اللفظتين ظن بعض الناس أن فيهما معنى الا كراه والاجبار وليس كما ظن ، وسيوافيك الاخبار والروايات وكلمات الاعلام في ذلك فتعلم أنهما لا ينافيان الاختيار.