والفرس لا يشتكي قولا ، لكنه ظهر منه علامة الخوف والجزع ، فسمى ذلك قولا. ومنه قول الآخر :
وشكى إلي جملي طول السرى. (١)
والجمل لا يتكلم ، لكنه لما ظهر منه النصب والوصب لطول السرى عبر عن هذه العلامة بالشكوى التي تكون كالنطق والكلام ، ومنه قولهم أيضا :
امتلا الحوض وقال قطني(٢) |
|
حسبك مني قد ملات بطني. |
والحوض لم يقل قطني ، لكنه لما امتلا بالماء عبر عنه بأنه قال : حسبي ، ولذلك أمثال كثيرة في منثور كلام العرب ومنظومه ، وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية والله تعالى نسأل التوفيق.
فصل : فأما الخبر أن الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامة كما روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك مما يقطع على الله بصحته ، وإنما نقله رواته لحسن الظن به ، وإن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدر الارواح في علمه قبل اختراع الاجساد ، واخترع الاجساد واخترع لها الارواح فالخلق للارواح قبل الاجساد خلق تقدير في العلم كما قدمناه ، وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ، والخلق لها بالاحدات والاختراع بعد خلق الاشسام ، والصور التي تدبرها الارواح ، ولولا أن ذلك كذلك لكانت الارواح تقوم بأنفسها ، ولا تحتاج إلى آلات يعتملها ، ولكنا نعرف ما سلف لنا من الاحوال قبل خلق الاجساد ، كما نعلم أحوالنا بعد خلق الاجساد ، وهذا محال لا خفاء بفساده.
وأما الحديث بأن الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، فالمعنى فيه أن الارواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس وتتخاذل بالعوارض ، فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها
________________
(١) بضم السين : سير الليل.
(٢) أى حسبى.