وأجاب الزجاج عنه وقال : لما لم يبعد أن يؤتي الله النمل العقل كما قال : «قالت نملة يا أيها النمل» (١) وأن يعطي الجبل الفهم حتى يسبح كما قال : «وسخرنا مع داود الجبال يسبحن» (٢) وكما أعطى الله العقل للبعير حتى سجد للرسول صلىاللهعليهوآله ، وللنخلة حتى سمعت وانقادت حين دعيت فكذا ههنا.
التاسع : أن أولئك الذر في ذلك الوقت إما أن يكونوا كاملي العقول والقدر أو ما كانوا كذلك فإن كان الاول كانوا مكلفين لا محالة ، وإنما يبقون مكلفين إذا عرفوا الله بالاستدلال ، ولو كانوا كذلك لما امتازت أحوالهم في ذلك الوقت عن أحوالهم في هذه الحياة الدنيا ، فلو افتقر التكليف في الدنيا إلى سبق ذلك الميثاق لافتقر التكيف في وقت ذلك الميثاق إلى سبق ميثاق آخر ، ولزم التسلسل وهو محال. وأمح االثاني وهو أن يقال : إنهم في وقت ذلك الميثاق ما كانوا كاملي العقول ولا كاملي القدر ، فحينئذ يمتنع توجيه الخطاب والتكليف عليهم. العاشرة : قوله تعالى : «فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق» (٣) ولو كانت تلك الذرات عقلاء فاهمين كاملين لكانوا موجودين قبل هذا الماء الدافق ، ولا معنى للانسان إلا ذلك الشئ ، فحينئذ لا يكون الانسان مخلوقا من الماء الدافق ، وذلك رد لنص القرآن.
فإن قالوا : : لم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى خلقه كامل العقل والفهم والقدرة عند الميثاق ، ثم أزال عقله وفهمه وقدرته ، ثم إنه خلقه مرة اخرى في رحم الام ، و وأخرجه إلى هذه الحياة؟
قلنا : هذا باطل ، لانه لو كان الامر كذلك لما كان خلقه من النطفة خلقا على سبيل الابتداء ، بل كان يجب أن يكون خلقا على سبيل الاعادة ، وأجمع المسلمون على أن خلقه من النطفة هوالخلق المبتدأ ، فدل هذا على أن ما ذكرتموه باطل. الحادي عشر هي أن تلك الذرات إما أن يقال : إنه عين هؤلاء الناس أو غيرهم ،
________________
(١) النمل : ١٨.
(٢) الانبياء : ٧٩.
(٣) الطارق : ٦