راجعون رحمة الله عليهما » ردد ذلك مرارا (١١).
واذا كان ترحم الإمام الحجة الواقف على نفسيات الرجال ومقادير أعمالهم على شخص يعد تزكية له وشهادة منه في نزاهته وطهارته ، وأنه مضى محمود الطريقة متبعا للحنيفية البيضاء فأي رجل مثل هاني بن عروة يقرنه سيد شباب أهل الجنة بنائبه الخاص وخليفته في ذلك المصر المثبت له في صك الولاية شرف الأخوّة له والوثاقة في الأمور وأنه مفضّل عنده من أهل بيته ويترحّم عليه كما ترحم على ابن عمه وداعيته.
ان هذا الترحم من أبي عبدالله الحسين عليهالسلام وشهادة أولئك الأعلام تنم عن أن « ابن عروة » كان على أرفع منصّة من الإيمان ومن الراسخين في ولاء العترة الطاهرة ، وأن ما قام به من إتمام البيعة لمسلم عليهالسلام في داره وجمع العتاد والأخذ بالتدابير اللازمة لحافز ديني وإيمان بأجر الرسالة المرغوب فيه لسيد النبيين وخاتم الرُسل أجمع.
ولم يزل يلاقي في ذلك المحن والكوارث حتى أودي به شهيدا في سبيل نصرة ابن عم رسول الله ، وهو الذي شارك شريك الأعور في التدبير لقمع جذور الفساد بقتل الدعي ابن مرجانة لكن القدر حال دون ما يريدون.
ومن أمعن النظر في سيرته من كتب التواريخ والمقاتل ولا سيما في رجال آية الله لسيد بحر العلوم الطباطبائي يزداد بصيرة فيما قلناه. وهناك تعرف أن ما تشدّق به ابن أبي الحديد من حكاية أخذه البيعة « ليزيد » من الأقاصيص التي لانعرف سندها ولامن جاء بها ، أراد به تشويه مقام هذا الرجل العظيم الناصح لأهل البيت حتى آخر نفس لفظه ، ومما يزيد في وهنه إعراض أرباب الفن من المنقبين في الآثار عن ذلك والقصة بمرأى منهم.
وكان السبب في انتقال مسلم الى داره أنه لما بلغه خطبة ابن زياد ووعيده ، وظهر له حال الناس ، وفرقهم من ابن زياد خاف أن يؤخذ غيلة فخرج من دار المختار بعد العتمة الى هذا الزعيم الكبير لعلمه بمكانته في المصر وشرفه في العشيرة ، وأنه مهاب الجانب أكثر من المختار مع ولائه الصميم وعقيدته الراسخة ونصرته الصادقة ، فلاقاه هاني بكل ترحيب ، وعلم أن تشريف ابن عقيل محله يعود عليه بأسمى السعادتين اما حياة
__________________
١١) الطبري ج٦ ص٢٢٥.