من غدر المسلم أمر جماعته فكتفوهم وقتل منهم مقتلة عظيمة فلما بلغ رسول الله هذا المنكر ساءه ورفع يديه مبتهلا الى الله تعالى :
|
« اللهم إني أبرأ إليك من فعل خالد » |
ثم أرسل أمير المؤمنين عليهالسلام ومعه مال ليؤدّي بني جذيمة حتى ميلغة الكلب (٢٦).
على أن الغادر لا يرى للنفوس والأموال والأغراض المحترمة شرعا حرمة فمتى ثارت فيه هذه الخصلة الخسيسة يكون من السهل عليه وأد النفوس ونهب الأموال والنيل من الأعراض ، وكله نقض لغرض المولى سبحانه ، فقد شاء لعباده أن يكونوا متحابّين ليقيموا عمد الحق ، ويرفعوا راية الهدى ، ويتم بهم الاجتماع والتعاون على مناجح الحياة من غير منافة بينهم. وما ذكرناه من تبعات الغدر أعني النفاق والمباغتة والإغتيال لا تخلو من وصمة على المجتمع البشريّ كما توجب منقصة في مروءة الغادر ودرن ردائه والغمز في حسبه.
وهذا في امراء المسلمين وولاة أمرهم أشد من غيرهم لكونهم مرقومون في النفسيات الحميدة قبل أفراد الرعية ، وأن الامم تحتج بملكات ولاتهم وغرائزهم وأعمالهم ، ويكون ما يتصفون به من نواميس المذهب حجة لازمة فإذا تخلوا الأمراء عن هذه الملكات عاد الطعن على المبدأ الديني ، فالواجب على أمير المسلمين ووالى شؤونهم أن يثابر على الشدائد مهما بلغت ، ويقاسي النكبات وان تراكمت ، ولا يغدر ولا يفتك ليكون ذكره بريئا من كل وصمة.
على أن ولاة الأمور حيث كانوا قدوة لجيلهم يكونون اسوة لمن يأتي بعدهم. فيعرف الناس في المستقبل الكشّاف الذي يميط الستار عن نواياهم الحسنة ، وأعمالهم الصالحة ، ومساعيهم المشكورة فاللازم على الوالي أن يرتكب خطة تسير على أثره الرعية في غاياتهم المرموق اليها.
واذا وضح هذا فلا يرتاب أحد في الغاية لمسلم بن عقيل عليهالسلام في جوابه لشريك لما لم يقتل ابن زياد.
وذلك أن شريك بن الأعور نزل في دار هاني بن عروة لمواصلة بينهما ولما مرض
__________________
٢٦) صحيح البخاري ج٣ ص٤٧ في كتاب المغازي ، والإستيعاب بترجمة خالد ، وتاريخ الطبري ج٣ ص١٢٣ ، وكامل ابن الأثير ج٢ ص٩٧ حوادث سنة ٨.