ومرّت سنة مجدبة على بني تيم الله بن ثعلبة فقصد جماعة منهم وهم مالك وعامر وحليحة مجاورة « بدر بن حمران الضبي » فوق لهم حتى أحيوا ورجعوا مسرورين الى وطنهم مكرمين ، وقصد جماعة منهم « مساورا » فجعل يفخر بنسائهم فقال بدر بن حمران :
وفيتُ وفاء لم ير الناس مثله |
|
بتعشار إذ تحنو إليّ الأكابـر |
ومن يك مبنيا به عـرس جـاره |
|
فإني امرؤ عن عرس جاري جافر |
واستجار امرؤ القيس بن حجر الكندي بعامر بن جوين الطائي ثم الجرمي ، فقبّل عامر امرأة امرئ القيس فأعلمته بذلك فارتحل عنه ، واستجار « بأبي حنبل جارية بن مر الطائي ثم الثعلبي » فلم يصادفه فقال له ابن جارية : أنا أجيرك من الناس كلهم إلا من أبي حنبل يعني أباه فرضي امرؤ القيس وتحول إليه ، ولما قدم أبو حنبل رأى كثرة اموال امرئ القيس ، وأعمله ابنه بما شرط له في الجوار فاستشار أهله بذلك فقالوا له : لا ذمة له عندك ، فخرج أبو حنبل الى الوادي ونادى : ألا ان أبا حنبل غادر ، فأجابه الصدى من الجبل بذلك ، ثم نادى : ألا ان أبا حنبل واف ، وأجابه الصدى بذلك ، فقال : الثانية أحسن ثم أتى منزله وحلب جذعة من غنم امرئ القيس وشرب لبنها ومسح بطنه وقال : « اغدر وقد كفاني لبن جذعة » ثم قال :
لقد آليت أغدر في جـذاع |
|
ولو منّيت أمت الربـاع |
لان الغدر في الأقوام عار |
|
وان اُلحر يجزأ بالكـراع |
ثم عقد له وأعلمه امرؤ القيس فعلة عامر بن جوين بامرأته ، فركب أبو حنبل في أسرته حتى أتى منزل عامر بن جوين ومعه امرؤ القيس فقال له : قبّل امرأة عامر كما قبّل امرأتك ، ففعل (٣٩).
الى غير ذلك من قضاياهم الكثيرة في حفظ الجوار وحماية النزيل ، ولا يشفقون في الدفاع عمن استجار بهم وان كان فيه ذهاب أنفسهم وعشائرهم وأموالهم أو يحصلون على أغراضهم.
وقد جاءت الشريعة المطهرة الحافلة بمكارم الأخلاق الحاثة على السلام والوئام فأقرت تلك الفضيلة ، وأدخلت التحسينات فيها حتى أجازت الإجارة للمشركين قصدا للتأليف ، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : « وان أحد من المشركين استجارك فأجره » فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم » وفسّره
__________________
٣٩) هذه القضايا في المحبر لابن حبيب ص٣٤٨ الى ص٣٥٥.