واجتمع الناس حتى امتلأ المسجد والسوق منهم وأحاطوا بالقصر وضاق بابن زياد ذرعه إذ لم يكن معه إلا ثلاثون رجلا من الشرطة وعشرون رجلا من أشراف الناس وأهل بيته ومواليه (٣).
فكان أسهل شيء على اولئك الدارعين الا جهاز على ابن مرجانة ومن معه لأول وهلة في طليعة الزحف وفي القوم مساعير للحرب ، ولعل منهم من لا يروعه التقحّم على أولئك النفر المعدودين بالأنامل ولم يكن لابن زياد في ذلك الوقت غير قعقعة الارهاب ، وما أدري كيف انطلت هذه البهرجة على ذوي البصائر بشؤون المصر الواقفين على ما في أرجائه من قلاقل وفي أجوائه من محن وإحن؟
ولكن لا عجب من أذناب الكوفيين إذا مالوا مع عصبة الشيطان بمجرد أن سمعوا ابن لأشعث وحجار بن أبجر وشمر بن ذى الجوشن يمنّونهم العطاء مع الطاعة ويهدّدونهم بجند الشام الموهوم ، وأشرف عليهم كثير بن شهاب حين كادت الشمس أن تغرب وقال : أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ، ولاتعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أميرالمؤمنين يزيد قد أقبلت وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن أتممتم على حربكم ولم تنصرفوا من عشيّتكم أن يحرم ذرّيّتكم العطاء ويفوّق مقاتلتكم في مغازي الشام على غير طمع ، وأن يأخذ البري بالسقيم والغائب بالشاهد حتى لا يبقى فيكم بقية من أهل المعصية إلا ذاق وبال ما جرّت يده (٤).
فطفقق الأخ يخذل أخاه والمرأة تتعلّق بزوجها حتّى يرجع ، والآباء يفصلون أبناءهم عن الجهاد ويحبذون لهم العافية شأن أذناب الناس الدقاق حسباً الضعفاء حلوماً.
فتفرق أولئك الجمع عن مسلم عليهالسلام حتى لم يبق معه إلا ثلثمائة رجل وصلى العشاء بالمسجد ومعه ثلاثون رجلا وانصرف نجو كندة (٥) ومعه ثلاثة ولم يمض إلا قليلا وإذا لم يشاخد أحدا يدلّه على الطريق فنزل عن فرسه ومشى متلدّدا في أزقة الكوفة (٦) لا يدري إلى أين يتوجّه (٧).
__________________
٣) ابن الاثير ج٤ ص١٢.
٤) الطبري ج٦ ص٢٠٨.
٥) الأخبار الطوال ص٢٤٠.
٦) الشريشيّ في شرح مقامات الحريريّ ج١ ص١٩٢.
٧) اللّهوف لابن طاووس.