شدّ إليها الرحال منذ خرج من المدينة بأمر السبط الشهيد ، ألا وهي إظهار الدعوة إلى حُكم الكتاب المجيد وسنة الرسول وانقاذ الأمة من مخالب الضلال وتعريفها سبيل الرشد من الغي ، ومما رؤياه عمه أميرالمؤمنين في المنام يقول له :
|
« أنت معي غدا فالعجل العجل (٢) ». |
فعرفت نفسه المطمئنة الملهمة أن في صباح هذه الليلة اللقاء والفناء الذي فيه البقاء الأبدي ، فلم تبعثه الحالة إلا إلى النشاط والبسالة والوثوق بازوف الموعد.
فلما انفلق عمود الفجر وانفتل من صلاته ودعائه ونوافله تأهب لمجاهدة من مرق عن الدين وأعرض عن وصايا النبي في أهله وذويه وقال لطوعة : « قد اديت ما عليك من البر والإحسان ، وأخذت نصيبك من شفاعة رسول الله » وقص عليها الرؤيا (٣).
أما ابن العجوز فذهب الى القصر وأعلم عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث بمكان مسلم عليهالسلام في بيتهم ، فأخبر عبدالرحمن أباه ، ووضح الأمر لابن زياد ، فدعا الغلام وطوقه بطوق من ذهب (٤) وأمر ابن الأشعث أن يذهب اليه في سبعين من قيس ليأتيه به.
فلما سمع مسلم عليهالسلام وقع حوافر الخيل ولغط الرجال علم أن هذا طليعة الشر (٥) ، فخرج اليهم بجأش طامن ، وجنان راسخ بهضب يهزأ الرواسي وحشو الردى منه فروسية وشجاعة ، وملء اهابه بشر ومسرة فاستقبلهم كمي آل أبي طالب في جحفل مجر من عزمه ، أو حشد لهام من بأسه والقوم سبعون دارعا وهو واحد في ذلك المأزق الحرج من نواحي البيت فلم يفتأوا يرجفوا عليه الدار وهو يكردهم غير مكترث بعددهم ولا بعدّتهم.
الا تعجب من مكثور أطلعت عليه أعداؤه حيث لا متسع فيه لكر أو فر في مضائق الشوارع ومرتبك الأزقة والجراح يؤلمه والعطش يرمضه ، وهناك جلبة الصاخبين وتشجيع المنشطين ، وهلهلة النساء كما يقتضيه طبع الحال عند العرب ، وهم على يقين
__________________
٢) نفس المهموم ص٥٦ عن كامل البهائي.
٣) نفس المهموم ص٥٦.
٤) رياض المصائب ص٢٦٥.
٥) مقاتل الطالبيين ص٤١.