مرتثّ بالجراح وفي آخر رمق من الحياه الله من شهم سيط الإيمان بلحمه ودمه ، وعاد مزيج نفسه الكريمة.
وفي نص سبط ابن الجوزي : أن ابن الأشعث سلب مسلم بن عقيل درعه وسيفه فقال بعض الشعراء يؤنّبه على فعلته هذه وتركه نصرة هاني (٢١) :
وتركت عمك لم تقاتل دونه |
|
فشلا ولـوا أنت كان منيعا |
وقتلت وافد آل حزب محمد |
|
وسلبت أسيافـا له ودروعا |
ولمّا جيء به الى القصر تساند الى الحائط وقد أخذ الضعف لنزف الدم وشدة الظماء فرأى قلة مبردة فطلب منها ما يبلّ غلّته ، فقال له مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما أبردها لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم!
فكبرت هذه الكملة على ابن عقيل أن تصدر من رجل يدّعي الإسلام ويتشهّد الشهادتين ثم لا تسمح نفسه يبذل الماء الذي هو مباح لعامة الحيوانات ولا يمنع منه حتى الكافر ، والشريعة تنادي بأعلا صوتها :
|
« الناس شرع سواء في الماء والنار والكلاء » |
ثم أي رجل يحمل أقل شيء من العاطفة يشاهد إنسانا بتلك الحالة المشجية ثم يضن عليه بشربة من ماء ، أنه لخارج عن الحدود البشرية ومستوى الانسانية.
ومن هنا تعجب مسلم عليهالسلام واستفهم عن حسبه فقال له : من أنت؟ قال : أنا ابن من عرف الحق إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي!
فقال ابن عقيل :
|
« لامك الثكل ما أجفاك وأفظّك وأقسى قلبك وأغلظه أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم. » |
وعلى هذا الحوار بعث عمرو بن حريث غلاما له يدعي سليما فأتاه بالماء (٢٢) وفي نص آخر أرسل عمارة بن عقبة بن أبي معيط غلامه قيسا وأتاه بالماء (٢٣) وهل شرب ابن عقيل من الماء فيخفف من الغلوب ويطفئ أوار الظمأ؟ لا! فإنه كلما أدنا القدح منه
__________________
٢١) تذكرة الخواص ص١٣٩.
٢٢) الإرشاد للشيخ المفيد.
٢٣) الطبري ج٦ ص٢١١.