لهم سوق كبير فنادى : برئت الذمة ممن بقى هنا ؛ فتفرق الناس ، وفي هذه السنة أجرى الماء على القبر لاطفاء نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ، فحار الماء واستدار على قبل المنحور على مجزرة الدعوة الإلهية ممنوعا من الورود.
وهذا كله حذرا على الدست الذي اغتصبوه من آل رسول الله ، فإنهم علموا أن ذلك الاجتماع يوجب التعريف بمبدأ الحسين وسلفه أما بكلمة تلقى أو قريض يرتل ، أو انشودة يصدح بها ، أو نوادب تجيش الأفئدة وتستفزّ الحلوم ، وفي خلال ذلك يعرف فضل العترة الطاهرة ، ووصايا الرسول بهم وأوامره بالأخذ بحجزتهم ، والتنديد بظالمهم ، والبراءة منهم ، فيعتكر حينئذ صفو الخلفاء ، ويقلقجوّهم الهادئ وربما تكلّفهم الحالة مقاسات معارك دامية.
هكذا صوّرت لهم أحلامهم وما صوّرت إلا حقيقة ناصعة كفلق الصباح فمنعوا الناس من المثول في « مجزرة الحقائق » ومشهد الطف.
لكن شيعة الحسين من ناحية تحفّظهم على المبدأ القويم ، وتهالكم في القيام بوصايا النبي بآله الأطهرين ، وظنوا أنفسهم على كل ما يجري عليهم من القتل ، وقطع الأيدي ، الارهاب دون مقصدهم الراقي ، وضالتهم المنشودة ، فلم يتركوا المثول عند المرقد الأقدس.
وقد روى الشيخ الطوسي في « الأمالي » : ان في سنة ٢٣٧ أنفذ المتوكل قائدا من قوّاده ، ومعه جند يمنع الزائرين ، فرأى خلقا كثيرا ، وثار اليه الناس وقالوا : لو قتلتنا بأجمعنا لما أمسك من بقى منا زيارته ، فكتب بذلك الى المتوكل فأمره بالكف عنهم مخافة أن يتسبّب ما لا يحمد عقباه.
ثم أن الشيعة لم يقتصروا على أداء حق الحسين في الزيارة فقط ، بل طفقوا يعقدون الأندية والمحتشدات سرية وعلنية حسب مقتضيات الظروف والأحوال لتذكّر ما جرى على آل الرسالة من القساوة الشائنة فلاقوا من أعدائهم القتل والنهب والحرق ، فلم يبالوا بكل ذلك حتى تسنى لهم الحصول على طلبتهم من تدمير صروح النعرة الأموية في شتى الوسائل.
ثم لاتزال الشيعة يكثر عددها ، ويقوى أمرها حتى جاء منهم ملوك ووزراء وولاة وعلماء مجاهدون ، فتفننوا في توسيع دائرة الذكريات الى حفلات تعقد في الأفراح والأحزان ، ومواكب تجول في الطرقات فيها تمثيل تلك المأسات الدامية الى أن نمت بذرة