وهناك شيء أغرب من هذا وهو نسبة المدائني كتاب « أبي الضيم » الى معاوية لما بلغه الإعفاء عن الأرض والمال فقال في كتابه : « أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما » وكل أحد تتجلى له هذه الأكذوبة لا تحتاج إلى تدليل لوضوح شهامة أبي عبدالله عليهالسلام وعدم رضوخه للدّنيّة في قول أو فعل ، ومتى أعترف سيد شباب أهل الجنة لآل أبي سفيان بمكارم الأخلاق من يوم منافسة جدهم عبد شمس لأخيه هاشم الى يوم مناوأة معاوية لأمير المؤمنين ، وأي مأثرة غريزية حفظت لهذا البيت غير طفائف تخلّقوا بها وقد ظهر أضدادها على فلتات ألسنتهم ، أليس معاوية هو القائل ليزيد : عليك بالصفح فإن أمكنت الفرصة عليك بالسيف (٢٩).
ولم يزل أبو عبدالله الحسين عليهالسلام يصارح بما أودعه المهيمن جل شأنه فيه من الأنفة وعدم الخضوع للدنايا في مواطن كثيرة ، وان كلمته الذهبية في آخر يومه تفيدنا فقها بالفطرة الموهوبة له من المولى سبحانه فإنه قال يوم الطف :
|
« ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السّلّة والذّلّة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وانوف حمية ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام » (٣٠). |
وانّ عمدة ما يفت في عضد هذه الأكذوبة ويتدهور بها الى هوة البطلان هذه الكلمة التي لا يهيج بها هاشمي ذو شمم ، نعم يأبى للهاشمي إباؤه وشهامته يأبى له حفاظه ووجدانه بل يأبى لأي مؤمن إيمانه وعلمه أن يعترف لابن آكلة الأكباد بتلك المأثرة البالغة حدها ، وهو يلعم أن ابن هند المقعي على إنقاض الخلافة الإسلامية خلوا من أي حنكة ، وإنما أدعم باطله المحض بالتحلم والمحاباة والتزلف يوهم بها الرعرعة من الناس بأن هذه الاناة هي الكافلة لأهلية الخلافة.
والإمام الشهيد العارف بهذه الزخارف مضافا الى نفسيته القدسية وإبائه العلوي جد عليم بأنه إن فاهَ بمثل تلك الكلمة التي نسبها إليه المدائني اتخذها الناس حجة دامغة خصوصا مع مشاهدتهم وفر معاوية وورائهم دسائسه ومعهم سماسرة الشهوات فيكون الإمام عليهالسلام مغريا بهم الى الهوان ومقرا لهم على الضلال
__________________
٢٩) نهاية الأرب ج٦ ص٥٠.
٣٠) اللهوف للشريف النقيب ابن طاووس.