ضنـا في الحرب والسهر الطويل |
|
وأقلقني التسهـد والعويل |
فواثـارات جعفـر مع علـي |
|
وما أبدى جوابك يـا عقيـل |
سأقتل بالمهنـد كل كلـب |
|
عسى في الحرب أن يشفى الغليل |
وكان فتح البهنسا في أيام عمر بن الخطاب (٢٨).
فان من يخرج في صف المجاهدين أيام ابن الخطاب لابد وأن يبلغ على الأقل عشرين سنة وحينئذ تكون ولادته في أوائل الهجرة وكان معاوية يومئذ راسبا في بحر الشرك والضلال عابدا للأوثان.
ثم إن رجلا كمسلم يراه عمه أمير المؤمنين ـ عليهالسلام جديرا بقيادة الجيش يوم صفين فيجعله على الميمنة في صف ولديه الإمامين السبطين عليهماالسلام وابن أخيه عبدالله بن جعفر ، ويجده سيد الشهداء قابلا لأهلية الولاية على أعظم حاضرة في العراق « الكوفة » فيحبوه بالنيابة الخاصة في الدينيات والمدنيات.
لابد وأن يكون أعظم رجل في العقل والدين والأخلاق حتى لايقع الغمز والطعن فيمن يمثل موقف الإمامة بأنه ارتكب دنيّة أو جاء برذيلة أو فعل محرما أو بدت منه رعونة ، ولو في أمس الدابر فينتكث فتله وتتلاشى مقدرته.
على أن تلكم الأحوال لو كان من الجائز صدورها منه في الماضي لجاز عودها إليه أيام ولايته فينتقض الغرض من إرساله مهذبا ومؤدبا وقامعا للريب والشبهات وزاجرا عما يأباه الدين والإنسانية.
فالإمام أبو عبدالله ـ عليهالسلام ـ لم يشرف أحدا بالولاية إلا وهو يعلم بأنه يمضي في أمره كالحديدة المحماة ، وإنا لا نشك في أن سيد الشهداء لم يرسل مسلما واليا من قبله ، ويزيّنه بتلك الرتبة العظيمة ثم يشفع ذلك بتشريف الأخوة له التي هي أخوّة العلم والدين ، وأنه ثقته من أهل بيته إلا وهو يعلم بأنه في كل أدوار حياته منذ نشأته إلى حين تأهّله لهذه الزعامة الكبرى رجل العلم والتّقى ، رجل العقل والسياسة ، رجل الأخلاق والإيمان.
فلا يصدر من مثله بيع الأرض من معاوية من دون مشاورة سيّد الشّهداء مهما كلّفته الحاجة ، وبلغت به الفاقة حدّها ، على أنّه في كنف السّبط الشّهيد وذرى عزّه المنيع ، ولم تزل سماء نائله هاطلة عليه وعلى محاويج الأمّة.
__________________
٢٨) فتوح الشّام ص ١٨٢.