ولا شك ليس كلهم على درجة واحدة في الإعتبار ، ومن ذا الذي يسلم من جرح ، وليس فيهم الأوحدي الذي خلصت سريرته فطهرت سيرته ، وقبلت روايته من دون تهميش بغمز أو بلمز.
ولمّا كنّا أمام قراءة نصوص تحكي أخبار وقائع حدثت في الصدر الأول من عصر الصحابة ، وكان من رموزها ممّن تبوّأ مكان الصدارة في المجتمع ، بحق أو بغير حق ، بما فيهم من مهاجرين وأنصار الّذين تبوؤا الدار والإيمان ، إلّا أنّهم أساؤوا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في خلافتهم إلى أهل بيته وعترته ، فلم يرعوا له فيهم حقاً ولا حرمة ، فعدوا عليهم بالإساءة وهو بعدُ بين ظهرانيهم ، لم يواروا الجدَثَ حتى أحدثوا الحدث.
ومن الطبيعي أن يثير سلوكهم ذلك حفائظ الآخرين ممّن لم يزالوا مواظبين ومحافظين على ولائهم لأهل بيت نبيهم ، ولم يشيبوا إيمانهم بظلم أبداً.
ومن هنا بدأت الفُرقة ، وتشرذمت الكلمة والجماعة ، وهُدّت دعائم الوحدة التي أقامها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمؤاخاة والمفادات.
وصار التاريخ يروي لهؤلاء ولهؤلاء ، وفي المنقول بعض المعقول والمقبول كما فيه كثير من الهراء والافتراء ، فضاعت بعض الحقائق في ركام التقية لمصلحة المحكومين ، وضاعت أكثر في ضبابية التعتيم السياسي لمصلحة الحاكمين ، وفي إطار من العوامل النفسية العاصفة والمضطربة التي كانت سائدة حينذاك رويت ( قضية السقيفة ) التي هي أساس الفرقة والفجائع ، وما جرى هناك من غرائب الوقائع.
وكلما ورد من الروايات عن تلك الفترة ، وما جرى فيها من أحداث رواها الرواة ، وسجّلها المؤرّخون ، فهي كما قال عنها الاستاذ عبد الفتاح مقصود المصري في كتابه ( السقيفة والخلافة ) (١) : ( إنك لتلمح في صور هذه الروايات
_____________________
١ ـ السقيفة والخلافة : ٣٤.