وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب أنّه كان حنفياً ، ومهما كان مذهبه الفقهي ، فهو معتزلي الأصول ، وصرح بذلك في قوله :
ورأيت دين الاعتزال وإنني |
|
أهوى لأجلك كل من يتشيّع |
نعم ، كان معتزلياً ولم يكن من معتدلي المعتزلة كشيوخه البغداديين ، وإن كانت بغداد سكناه ومدفنه ، فهو في شرحه نهج البلاغة كان سنياً صلباً ، ومتعصباً جداً ، ومجنّداً كل طاقاته في الدفاع عن شيوخ السلف ، وخاصة عن الشيخين بما لا يُحسنا هما الدفاع بمثله عن أنفسهما لو كانا حيين ، وسيأتي بعض ما يدلّ على ذلك في مواقف علماء التبرير ، وتعجبني كلمة صاحب ( نسمة السحر في من تشيع وشعر ) (١) حين ذكر ترجمته فقال : ( وكانت حالة عز الدين المذكور عجباً بيّناً ، هو شيعي متعصب كما في القصائد المشار إليها ـ السبع العلويات ـ إذ صار معتزلياً جاحظياً (٢) أو أصمعياً (٣) كما في أكثر شرحه ).
_____________________
١ ـ نسمة السحر ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤٥.
٢ ـ هو أبو عثمان الجاحظ من معتزلة البصرة ، وهم أشد تعصباً للسلف من معتزلة بغداد ، حتى كان بينهما نقد ورد خصوصاً مع الجاحظ في عثمانيته ، فرد عليه الاسكافي في نقض رسالته ، وكلاهما مطبوعان بمصر.
وقد تعرض ابن أبي الحديد في شرح النهج لنقد الجاحظ ، راجع ١٣ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ و ٢٣٥ و ٢٤٣ و ٢٥٣ و ٢٧٨ و ٢٨٥ وغيرها.
٣ ـ نسبة إلى الأصمعي وهو عبد الملك بن قريب الأصمعي ، كان من المنحرفين عن الأمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، روى الخطيب في تاريخ بغداد ١٠ : ٤١٩ عن أبي العيناء ، قال : كنّا في جنازة الأصمعي سنة ( ٢١٥ هـ ) ، فحدثني أبو قلابة الجرمي الشاعر وأنشدني لنفسه :
لعن الله أعظماً حملوه |
|
نحو دار البلى على خشبات |
أعظماً تبغض النبي وأهل الـ |
|
ـبيت والطيبين والطيبات |
وفي معجم الأدباء ١٢ : ١٥٣ : عن أبي العيناء ، قال لي المتوكل : بلغني أنك رافضي ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين وكيف أكون رافضياً وبلدي البصرة ، ومنشأي مسجد جامعها ، واستاذي الأصمعي.