عمر : فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه (١).
فهذا الخبر صريح بأنّ الانقسام والتحزب ظهر عند الصحابة حين قبض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا يعقل ولا يقبل أن يقال بحدوثه مقارناً لظهوره ، بل إن جذور الخلاف كانت موجودة قبل ذلك الحين ، إذ لا يكون ظهور إلّا بعد خفاء ، وهذا ما نجد له شواهد في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد عرف ذلك منهم ، فحذّرهم مغبّة العواقب السيّئة ، وأنذرهم بسوء العاقبة ، ودعاهم إلى وحدة الكلمة وتوحيد الصف ، وأبان لهم أنّه تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
كما أنّ الخبر صريح بأنّ رموز الصحابة من مهاجرين وأنصار ـ عدا أهل البيت عليهمالسلام ـ قد تركوا الجثمان الطاهر ، وانصرفوا يتنازعون أمر الخلافة.
والخبر صريح بأنّ أهل البيت عليهمالسلام قد أغلقوا دونه الباب ، وهنا تبدو إشارة خفيّة إلى أنّ ابن إسحاق قد غصّ بذكر أسماء من هم أهله الذين أغلقوا دونه الباب وعمّن أغلقوه ؟ ولا ضير فإنّ ابن إسحاق يعيش في كنف العباسيين ، وهو بمثابة مؤرّخ دولة رسمي عندهم ، فكيف يجرأ على أن يذكر الأسماء ، ولا بد له من ذكر علي عليهالسلام في أولهم وفي مقدمتهم ، ثم يذكر العباس وابنه الفضل ، وهذا ما لا يرضاه أولياء نعمته ، ففي الكتمان السلامة ، وإن لحقته في ذلك الملامة.
النص الثاني : قال ابن إسحاق : وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الأنصار ، انّ عبد الله بن أبي بكر حدّثني عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن عوف ـ قال : وكنت في منزله بمنى أنتظره ، وهو عند عمر في آخر حجة حجّها
_____________________
١ ـ انظر : السيرة النبوية لابن هشام في أمر سقيفة بني ساعدة : ق ٢ / ٦٥٦.