روى الحديث أبو بكر فقط وفقط ، ثم تتابعت رواة السوء على دعمه في زعمه ، ومهما يكن فلنا أن نسأل من البكريين : ما دام أبو بكر يروي الحديث وطبّقه عملياً مع فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، ما باله لم يعامل ابنته كما عامل فاطمة عليهاالسلام في بيتها الذي تملّكته من دون حق تمليك من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياته ، وبقيت من بعده تتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم ، حتى انّ أبا بكر وعمر دفنا فيه بعد إذنها ، فهل كان يحق له ذلك ؟ وهل كان يحق لها ذلك ؟ مع أنّهم جميعاً أجانب عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإن كان البيت ميراثاً وجب استئذان جميع الورثة ، وإن كان صدقة وجب استئذان المسلمين ، وإن كان ملكاً لعائشة كذّبها الحديث المشهور : « ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة » (١) ولم يرد في حديث : ما بين منبري وبيت عائشة روضة من رياض الجنة.
إنّها مسائل معضلة ، لمن لا يريد فهم المشكلة ، إنّها الدنيا وقد حليت في أعينهم فراقهم زبرجها ، فارتكبوا كل أمر خطير ، والحساب عسير.
ولو سلّم المجادل في صحة ما رواه أبوها وقال : يحق لعائشة في بيتها لا من جهة الإرث ، لأنّه لها التسع من الثمن ، ولكن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ملّكها في حياته ، فلماذا لم تطالب هي ولا واحدة من بقية الأزواج ببينة على أنّ البيوت لهنّ نحلة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما طولبت الزهراء عليهاالسلام بالبينة على غلتها ، إنّها مفارقات عجيبة.
_____________________
= متعددة عن علي والزبير وأنس وسلمة وأبي هريرة وتفاوت في بعض الألفاظ ، وأخرجه في أماكن اُخرى من صحيحه ، وأخرجه مسلم في صحيحه ١ : ٧ كما في المقدمة ، وذكر حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة بأسانيد مختلفة والفاظ متفاوتة ، وأخرجه ابن ماجه ، وأبو داود ، والترمذي ، وأحمد ، والدارمي ، والبيهقي ، وابن حبان وآخرون كثيرون ، راجع عنهم موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف ٤ : ٥٢٤.
١ ـ صحيح مسلم ٤ : ١٢٣ ، عن أبي هريرة ، وعن عبد الله بن زيد المازني في باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة.