ونبأ ما يأتي بعدكم ، والحكم فيه بيّن ، من خالفه من الجبابرة قصمه الله ، ومن ابتغى العلم في غيره أضلّه الله ، فهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، وشفاؤه النافع ، وعصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه ، لا يعوّج فيقام ، ولا يزيغ فيتشعب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلقه كثرة الرد ، وهو الذي سمعته الجن فلم تناه أن ولّوا إلى قومهم منذرين قالوا : يا قومنا ! ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ) (١) ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ».
فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ! أخبرنا عن الفتنة هل سألت عنها رسول الله ؟ قال : « نعم ، إنّه لما نزلت هذه الآية من قول الله عزوجل : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) (٢) ، علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيٌّ بين أظهرنا ، فقلت : يا رسول الله ! ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها ؟ فقال : يا علي ! إن أمتي سيفتنون من بعدي ، قلت : يا رسول الله ! أوليس قد قلت لي يوم اُحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين ، وحزنت على الشهادة فشق ذلك عليَّ ، فقلت لي : أبشر يا صدّيق ! فانّ الشهادة من ورائك ، فقال لي : فإنّ ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا ! وأهوى بيده إلى لحيتي ورأسي ، فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ! ليس ذلك من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى والشكر ! فقال لي : أجل.
ثم قال لي : يا علي ! انّك باق بعدي ، ومبتلى بأمتي ، ومخاصَم يوم القيامة بين يدي الله تعالى ، فاعدد جواباً ، فقلت : بأبي أنت وأمي ! بيّن لي ما هذه الفتنة التي يبتلون بها ، وعلى ما أجاهدهم بعدك ؟ فقال : إنّك ستقاتل بعدي الناكثة والقاسطة والمارقة ـ وحلاهم وسماهم رجلاً رجلاً ـ ثم قال لي : وتجاهد أمتي على كل من
_____________________
١ ـ الجن : ١ ـ ٢.
٢ ـ العنكبوت ١ ـ ٢.