وقد يهون ذلك العجب إذا تذكرنا أنّ الافتراء عليه كان منذ عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى أن الأفّاكين رفعوا عليه شكاوى إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم يشكهم ونهرهم وقال لهم : « ما تريدون من عليّ ، عليّ منّي وأنا من عليّ » (١).
ولكن العجب أشد العجب من أن يفترى على عليّ فيضحى به باسم الإسلام ، وهو أوّل من آمن به ، فيجعل منه إنسان كأنّه لا يفقه من الإسلام حكماً ولا أدباً ، وهو الذي لولاه ما قام للإسلام عمود ، ولا اخضرّ له عود ، وحين تقرع طبول أعدائه ، وتتراقص على أنغامهم أقلام بعض السذّج من أوليائه ، دون أن يشعروا ، بأنّ ذلك الطبل إنّما كان للحرب ، وليس هو طبل الميلاد أو طبل الأفراح ، ولم يشعروا ـ ويا للأسف ـ أنّ بني حرب ـ حزب الشيطان ـ قد حاربوا علياً بكل حول وطول ، وبشتى الوسائل التي واتتهم السبل إليها.
فلئن حاربوه بالسيف ولم يشف ذلك غليلهم ، ولئن حاربوه باللعن على منابر المسلمين تنقيصاً له ولم يبرد بذلك أوار حقدهم ، ولئن قعدوا له بكل مرصد فافتروا عليه خطبة ابنة أبي جهل ، ونسجوا لها ما ساعدتهم أنوالهم ، ولئن .. ولئن ... وفي كل ذلك لم يصنعوا شيئاً ، بل كانت النتائج عكس ما أرادوا.
فهم كلّما أرادوا النيل منه وإذا هم كأنّما يأخذون بضبعيه ، ويرفعونه إلى سماء المجد والعظمة ، والآن ماذا يمنعهم أن يصوروه إنساناً يحبهم ؟ وإن كانوا هم لا يحبّونه ؟ وما الذي يمنعهم أن يبنوا لهم صرحاً ممرداً من قوارير الأحلام على قاعدة عليّ عليهالسلام الصُلبة في الإسلام ، فيجعلوا من آبائهم وأجدادهم شخوصاً محببة ، يتمنّى إنسان مثل عليّ في مكانته المفضّلة أن يكتني باسم جدهم ، وهذا هو ما يوحيه الحديث المزعوم ، حديث يروي : كان عليّ يحب أن يكتني بأبي حرب.
_____________________
١ ـ راجع كتاب ( عليّ إمام البررة ) ٢ : ٨٠ ـ ٩٥.