ومن المجازفات الخطيرة إنكار وجوده بعد أن نجد ما يناهز المائة مصدر من المصادر تذكره ، ولا يختص الشيعة بذكره ، والإنكار ليس يغني المنكر شيئاً ، ولئن قال عمر أبو النصر : ( واختلف المؤرّخون في وجوده كما قدمنا ، وإن كان اليعقوبي والمسعودي وغيرهما يؤكدون وجوده ) (١) ، وقال أيضاً نحو ذلك وذكر المسعودي ، وأبا الفداء (٢) ، فإنّا سنذكر المصادر التي نيّفت على المائة وليس بينها المسعودي واليعقوبي ، لئلّا يقال أنّهما من الشيعة.
ثم من الطبيعي أن نقرأ أولاً كتب الأنساب ؛ لأنّها تعد من المصادر التاريخية التي يرجع إليها في مثل المقام ، ولأنّها تعنى بذكر الأعقاب ، غير أنّا نرى بعضها أهملت ذكر المحسن ، فلا نقف عندها طويلاً في الحساب ، فلعلّ بعضها إنّما لم تذكره سداً لباب السؤال والجواب ، فمتى ولد وكم عاش ؟ وكيف انتهى أمره ؟ وفي الجواب على ذلك يعني كشف ما لا يريدون البوح به ، إما تقية ، أو ستراً على بعض الرموز.
ومهما كان السبب فلنا
في المصادر التي ذكرته كفاية ، وأصحابها كلّهم من أعلام المؤرخين والنسابين ، وهم من أهل السنة ، وإنّما اخترناهم من بين سائر الفرق ؛ لأنّهم أحرى بالقبول عند الخصم المنكر للمحسن ، وأبعد عن تطرق الريب فيما يروون مما فيه إدانة السلف ، وألزم للمعاند من الخلف ، على أنّ
_____________________
= قالوا : قرأها أنس بن مالك ، وأنّ محسناً ولدته فاطمة في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم سقطاً ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنونني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، وان صدقة النبي كانت بيد علي والعباس فمنعها علي عبّاساً فغلبه عليها ، ومن ركب الباطل زلت قدمه وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وما كانوا مستبصرين ، انتهى.
ولعل مراد الحافظ بما أراد جعل موت المحسن سقطاً في أيام النبي صلىاللهعليهوسلم ما سيأتي تعقيباً على الفصل الأول.
١ ـ فاطمة بنت رسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم : ٤٤.
٢ ـ المصدر نفسه : ٩٣ ، في الهامش.