يستفاد من دليله تسجيله على ذمة المكلفين ومطالبتهم به انما هو فعل الجزاء على تقدير الشرط ، أي الإرادة المشروطة ، فلا تشتغل ذمة المكلفين الا بهذا المقدار ، فإذا شك في تحقق شرط هذه الإرادة جرت البراءة. اما لما ذا لا يدخل المولى أكثر من هذا المقدار في عهدة المكلفين ؛ فيتصور لذلك ملاكات عديدة من كون الشرط غير مقدور للمكلفين ، أو ان الملاك في الوجود الاتفاقي الحاصل من غير ناحية إلزام المولى ، أو وجود مصلحة في إطلاق العنان وعدم كون العبد ملزما من ناحية الشرط بل من ناحية الجزاء على تقدير تحقق الشرط فقط.
واما المرحلة الثالثة ـ وهي عالم الجعل والاعتبار على القول به ـ كما هو المتعارف عقلائيا في الأحكام المجعولة على نهج القضايا الحقيقية والقانونية ـ فالواجب المشروط بلحاظ هذه المرحلة أيضا يقع البحث في إمكانه أو لزوم رجوع الشرط فيه إلى الواجب.
والصحيح : إمكان رجوع الشرط إلى الوجوب في هذه المرحلة أيضا بل لزومه في ما يسمى بقيود الاتصاف ـ أي قيود اتصاف الفعل بكونه ذا مصلحة ـ وفي قيود الترتب إذا كانت غير اختيارية ، ومعني أخذها في الوجوب إناطة الوجوب بمعنى المجعول بها رغم فعلية الجعل والإيجاب ، ولا محذور فيه بعد ان كان المجعول من الأمور الاعتبارية العنوانية ، فيكون إيجاده فعليا والموجود بهذا الإيجاد والجعل تعليقيا مشروطا بتحقق شيء في الخارج.
وقد ذكر المحقق النائيني ( قده ) ان حال الواجب المشروط حال القضايا الحقيقية من قبيل ( النار حارة ) فكما ان لهذه القضايا مرحلتين مرحلة القضية الشرطية الصادقة حتى مع كذب طرفيها ومرحلة القضية الحملية في طرف الجزاء التي تكون فعلية عند فعلية الشرط فكذلك الحال في الواجب المشروط تكون للحكم الشرعي مرحلتان مرحلة الجعل التي ترجع إلى قضية حقيقية شرطية ومرحلة المجعول التي ترجع إلى قضية فعلية للوجوب عند تحقق الشرط في الخارج (١).
وهذه المقايسة بين القضية الحكمية الشرعية والقضية الحقيقية التكوينية بلحاظ
__________________
(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٢٢٤.