واما الصغرى : فدعوى ثبوت الملازمة في الإرادة التكوينية بمعنى ان من أراد شيئا واشتاق إليه أراد مقدماته والصغرى هذه يمكن ان تقرب بأحد بيانين :
__________________
الذات أو منافرته معها ، فان الإنسان يحب ذاته دائما ، وحيثية المقدمية وتوقف المطلوب النفسيّ على المقدمة حيثية عقلانية تستوجب إعمال القدرة والاختيار لها من قبل العاقل المختار للوصول إلى هدفه وليست موجبة لملاءمة أخرى زائدا على المصلحة النفسيّة.
وهكذا يحكم الوجدان بان حب ذي المقدمة لا يسري إلى المقدمة بل يجتمع مع بغضها ويكون بينهما التزاحم لا التعارض.
الثانية ـ وهي الأساس ليس مجرد الحب والبغض حكما وانما واقع الحكم الإرادة التشريعية الموازية للإرادة التكوينية والتي تعني ـ على ما تقدم في بحث الجبر والاختيار ـ إعمال القدرة والسلطنة بحسب تعبيراتنا ـ أو هجمة النّفس ـ بحسب تعبيرات المحقق النائيني ( قده ) فان ما هو قوام الحكم والتكليف ان يعمل المولى إرادته على العبد وهذا مرحلة بعد الحب أو الشوق ـ لو فرض وجوده ـ وقبل الصياغة والإبراز ، والدليل الوجداني عليه : ان المولى قد يحب شيئا حبا شديدا ولكنه مع ذلك لا يريده من العبد فلا يجب على العبد امتثاله حتى لو كان عالما بحب المولى له ولو كان ذلك بإبراز من قبله ولكن لا بصدد الطلب والإرادة من العبد. وأيضا لو كان روح الحكم هو الحب والبغض لكان الحكم من الأمور التكوينية والتي قد تتعلق بالأمور المستحيلة أيضا مع وجدانية ان الحكم من مقولة الأمور الاختيارية للمولى وليس هو مجرد الشوق النفسيّ بل ولا هو مع الإظهار والإبراز ـ أي الحب المبرز ـ لوضوح ان الإبراز ليس الا كاشفا عن الحكم الّذي لا بد وان يكون له تقوم بقطع النّظر عن الإبراز والكشف وليس هنا لك شيء آخر فيما بين الحب والإبراز أو الصياغة سوى الإرادة بالمعنى الّذي أشرنا إليه.
فإذا اتضح أن حقيقة الحكم وروحه هي الإرادة التشريعية بهذا المعنى المضاهي للإرادة والاختيار التكويني لا مجرد الحب والبغض فضلا عن المصلحة والمفسدة اتضح حينئذ وجه عدم الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته فان الإرادة التشريعية بهذا المعنى كالجعل من مقولة الفعل أو إعمال القدرة أو ما ينتزع منه فيجري فيها نفس البرهان المتقدم في عدم الملازمة بين الوجوبين بحسب عالم الجعل والاعتبار.
واما التلازم في عالم الحب والشوق ـ لو سلمنا به ـ فلا يضر في المقام بمعنى انه لا يوجب تعارضا بين دليل وجوب الشيء ودليل حرمة مقدمته بعد ان عرفنا ان روح الحكم الإرادة التشريعية فان المعيار عندئذ ملاحظة الإرادة وإرادة ذي المقدمة لا تنافي كراهة مقدمته ذاتا وانما بينهما التزاحم في مرحلة الامتثال فحسب.
لا يقال ـ يقع التنافي بين المدلولين الالتزاميين لدليل وجوب ذي المقدمة ودليل حرمة المقدمة بلحاظ عالم الحب والبغض حيث يكشف الأول بالملازمة عن محبوبية المقدمة ويكشف الثاني عن مبغوضيتها واجتماعهما مستحيل ذاتا.
فانه يقال ـ بناء على ما ذكرناه لا يشترط في إيجاب شيء أو تحريمه بمعنى إرادته أو كراهته بالمعنى الّذي شرحناه للإرادة التشريعية نشوءهما عن المحبوبية والمبغوضية بالخصوص بل قد ينشئان عن مجرد الملاك بمعنى المصلحة والمفسدة.
نعم قد يدعى دلالة عرفية على ان الأمر بشيء كاشف عن محبوبيته والنهي عن شيء يكشف عن مبغوضيته الا أن مثل هذه الدلالة على تقدير التسليم بها في الخطابات الشرعية فهي ليست بدرجة بحيث توجب رفع اليد عن المدلول المطابقي للخطاب في مورد يعقل ثبوته فيه بل يؤخذ بالمدلولين المطابقيين ، ويكشفان حينئذ عن أن الأمر أو النهي في ذلك المورد نشأ أحدهما عن مجرد الملاك من المصلحة أو المفسدة على ان هذا لو سلم فهي دلالة عرفية وليست ملازمة عقلية بين الوجوبين.
الثالثة ـ لو تنزلنا عن كل ذلك فلا إشكال ان أشواق المولى بما هي أمور تكوينية لا تشتغل بها الذّمّة وانما تشتغل الذّمّة بما يسجله المولى في عهدة العبد وهذا التسجيل فعل اختياري عقلاني يتبع مقدار حفظه لأغراض المولى ودرجة قدرة المكلف عليه ولا برهان على أنه لا بد وأن يكون متطابقا موردا مع أشواقه بل الدليل على خلافه لأن المولى إذا لاحظ في مورد أن الأفيد بحاله تسجيل عمل يبغضه بالفعل أو النهي عما يحبه بالفعل لكونه أقل خسارة وتفويتا لأغراضه أقدم عليه لا محالة فالميزان في حساب التنافي بين الأحكام ملاحظة هذا العنصر الاختياري للحكم وهذا يعني ان ثبوت الملازمة في الأشواق لا يكفي لإثبات الملازمة بالمعنى المطلوب.