واما ما علقه المحقق النائيني ( قده ) فدعوى رجوع محذور المصادمة والمطاردة بين الأمرين بالضدين على تقدير أخذ العزم على المعصية شرطا للأمر بالمهم ، حيث أفاد ان النكتة التي بها تعقلنا إمكان الترتب تقتضي أن يكون المترتب عليه الأمر بالمهم هو عصيان الأهم ولا تكفي شرطية العزم على العصيان في دفع المحذور ، فان تلك النكتة هي أن يكون ما يترتب عليه الأمر بالمهم مما يقتضي الأمر بالأهم هدمه أولا وبالذات ، فانه على هذا سوف ترتفع غائلة المطاردة بين الأمرين ـ على ما سوف يأتي شرحه مفصلا ـ ومن الواضح ان الأمر بالأهم يقتضي بذاته هدم عصيان الأهم وتركه لا العزم على عصيانه ، فلو عزم على العصيان ولكنه لم يعص وصدر منه الأهم لم يكن الأمر بالمهم فعليا (١).
وتعليقنا على هذا الكلام من وجوه :
أولا ـ ان ما يقتضي الأمر بالأهم هدمه أولا وبالذات ليس هو العصيان وترك الأهم وانما هو العزم عليه وعدم العزم على الامتثال ، لأن التكليف أنما يجعل من أجل أن يكون داعيا في نفس العبد فمقتضاه الأولي إيجاد الداعي والعزم في نفس العبد على الامتثال فهو يهدم عدم العزم على الامتثال والعزم ، على العصيان أولا وبالذات.
وثانيا ـ ما أفاده السيد الأستاذ (٢) من عدم تمامية ذلك لو تم في الواجبات العبادية التي يكون الداعي والعزم فيها مأخوذا في الواجب ، بل حتى الواجبات التوصلية أيضا فيما إذا قلنا بان التكليف يقتضي تخصيص متعلقه بالحصة الاختيارية كما هو مسلك المحقق النائيني ( قده ) (٣).
وثالثا ـ لا وجه لتخصيص نكتة إمكان الترتب بأن يكون شرطا الأمر بالمهم مما يقتضي الأمر بالأهم أولا وبالذات هدمه ورفعه ، بل الميزان في ذلك أن يكون مقتضى الأمر بالأهم مساوقا مع انهدام وارتفاع موضوع الأمر بالمهم سواء كان بنفسه مقتضى
__________________
(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٣٠٦.
(٢) محاضرات في أصول الفقه ، ج ٣ ، ص ١٥٠.
(٣) وهذا الإشكال غير صحيح في شطره الثاني أي بلحاظ التوصليات لأنه خلط بين الإرادة والقدرة فان متعلق التكليف يتقيد بالقدرة لا بالإرادة والقصد المتوقف على العزم فان القدرة والاختيار لدى هذا المحقق وعندنا غير الإرادة.