باستحقاق المكلف لعقابين لو عصى ولم يأت بشيء منهما لأن كلا منهما في نفسه كان مقدورا أو قل لأن كلا منهما معصية مقدورة في نفسها والجمع بينها وبين المعصية الأخرى مقدور أيضا ، مع حكم الوجدان بعدم استحقاقه ذلك مما يبرهن على ما قلناه من ان الميزان في صحة العقاب إمكان التخلص عن المعصية ، والمكلف في المثال لا يمكنه التخلص إلا عن إحدى المعصيتين لا كلتيهما فلا يستحق إلا عقابا واحدا لا عقابين.
الإشكال الثاني ـ إشكال إثباتي وحاصله : ان غاية ما ثبت مما تقدم إمكان الترتب ثبوتا ولكنه لا دليل عليه إثباتا ، إذ دليل الأمر بالضد غير الأهم كالصلاة المزاحمة مع الإزالة مثلا انما دل على الوجوب المطلق الّذي فرغ عن استحالته بعد ثبوت الأمر بالأهم والوجوب المشروط بعدم الأهم لم يرد دليل عليه لنثبته به.
وهذا الإشكال أيضا أجاب عنه المحقق النائيني ( قده ) بجوابين (١) :
الأول ـ ان إثبات الواجب المشروط الترتبي لا يحتاج إلى دليل خاص بل إطلاق الخطاب بالصلاة بنفسه يثبت ذلك ، وذلك تطبيقا لقانون انه كلما دار الأمر بين رفع اليد عن أصل إطلاق الخطاب لفرد أو عن بعض حالاته تعين الثاني لكون الإطلاق بلحاظ تلك الحالة متيقن السقوط على كل تقدير واما الإطلاق بلحاظ الزائد عن تلك الحالة المتيقنة فلا يعلم سقوطه والأصل حجية كل إطلاق ما لم يثبت سقوطه ، ففي المقام الإطلاق بلحاظ حالة الاشتغال بالأهم متيقن السقوط على كل حال واما بلحاظ ترك الأهم فهو ممكن الثبوت بناء على الترتب فيثبت بالإطلاق وهو معنى الوجوب الترتبي المشروط.
وهذا الجواب صحيح من حيث الكبرى غير ان تطبيقها على المقام فيه مسامحة بناء على ما تقدم في الجهة الأولى من البحث حيث قلنا هناك انه بناء على الترتب لا يدخل الخطابان في باب التعارض أصلا إذ لا يلزم تقييد زائد على ما هو مأخوذ في كل خطاب من القيود العامة لبا أعني قيد القدرة ، فان عدم الاشتغال بواجب أهم أو مساو سوف يأتي في بحث التزاحم انه مأخوذ في الخطابات عموما ، فالأمر دائر بين
__________________
(١) أجود التقريرات ، ج ١ ، ص ٣٠٩.