حينئذ بتفسير الوجوب الكفائي مع خصائصه ، إذ لو كان أحد المكلفين قد جاء بالواجب أمكن للآخرين الترك باعتبار فعلية الترخيص في حقهم وإلا كان الكل معاقبين لفعلية الطلب في حقهم جميعا من دون ترخيص في الترك ولو فعل الكل كان امتثالا للطلب أيضا وإن كان يصح أن يترك بعضهم (١).
ولا تحتاج إلى افتراض مصلحة ثالثة هي التسهيل في الترخيص لا هنا ولا في الواجب التخييري بل يمكن افتراض ان الملاك الموجود في كل من الأفعال التخييرية أو الكفائية غير لزومية ولا موجبة لتأثر المولى لو لوحظ كل منهما مستقلا إلا أن توافر تفويتاتها يوجب أذية المولى فلا يرخص إلا مشروطا.
واما بناء على المسلك الصحيح والمشهور من كون الوجوب هو المجعول الشرعي فلا محالة يكون هناك تناقض عقلائيا بين إطلاق الوجوبات المجعولة بعدد المكلفين وبين الترخيص المذكور فلا محيص عن تضييق دائرة الوجوبات الّذي يرجع إلى الاتجاه السابق.
الاتجاه الرابع ـ أن يكون الوجوب الكفائي مرجعه إلى تحريم ترك الفعل المنضم إلى ترك الآخرين لا مطلق الترك وبهذا التحويل نستطيع التحفظ على كل خصائص الوجوب الكفائي إذ يكون ترك الجميع عصيانا من الجميع لصدور الترك المذكور من كل واحد منهم وعلى تقدير مجيء واحد منهم أمكن للآخرين الترك وعلى تقدير مجيء أكثر من واحد كان كل منهم قد حقق الملاك وامتثل حيث تجنب الحرام.
وهذا التفسير صياغة تشريعية معقولة للإيجاب بناء على افتراض المسلك المشهور من كون الوجوب مجعولا شرعيا ولعل الإيجاب على الجميع بنحو الوجوب الكفائي يكون تعبيرا عرفيا عن هذه الصياغة التشريعية كما ان هذا التفسير معقول في الوجوب
__________________
(١) لا يقال : ان فرض أن الترخيص في الترك مشروط بفعل الآخر ولو مقارنا يلزم في هذه الحالة أن يكون كلا الفعلين المقترنين مما كان يمكن لهما أن يتركاه أي غير متصفين بالوجوب وهذا خلاف خصائص الواجب الكفائي وإن كان الترخيص مشروطا بأن يأتي الآخر وحده فإذا جاء به مع الغير لم يكن ترخيصا فهو في قوة تحصيل الحاصل إذ معناه الإذن في ترك الفعل على تقدير تركه.
فانه يقال : نختار الأول ولا يرد ما قيل فان كلا الترخيصين وإن أصبح فعليا حينئذ إلا أن فعليتهما بنحو بحيث لا يؤدي إلى الجمع بين التركين نظير فعلية الوجوبين الترتيبيين الفعلين في فرض ترك الأهم اللذين لا يؤديان إلى الجمع بين الضدين.