الاحتمال الثاني ـ ان يكون الفرق بينهما بلحاظ النسبة الناقصة فالماضي أو المضارع موضوعان بحسب الهيئة للنسبة الصدورية بينما صيغة الأمر موضوعة للنسبة الإرسالية والدفعيّة والإلقائية ونحو ذلك من التعابير. فان الإلقاء والدفع له فرد حقيقي تكويني وهو ما إذا دفع شخص شخصا في الخارج نحو شيء في الخارج وله فرد عنائي تكويني كما لو دفعه بيده نحو عمل من الأعمال كما إذا ألقاه على الكتاب لكي يطالع فهو إلقاء تكويني حقيقي على الكتاب ودفع تكويني عنائي له نحو المطالعة وهذا الدفع يولد نسبة مخصوصة بين المدفوع وهو زيد والمدفوع نحوه وهو المطالعة وهذه النسبة نسميها بالنسبة الإرسالية والدفعيّة والتحريكية وندعي انها مفاد صيغة الأمر (١) وهذا يعني ان هيئة الأمر تدل دلالة تصورية مطابقية على النسبة الإرسالية وتدل دلالة تصورية بالملازمة وفي طول الدلالة الأولى على الإرادة ولذلك حتى إذا سمعنا الأمر من الجدار انتقش في الذهن الإرسال والإرادة تصورا ويوجد وراء هذين المدلولين التصوريين مدلول تصديقي إذا كان صادرا من عاقل وهو الكشف عن وجود إرادة في نفس المتكلم. واما الطلب فان قلنا انه عين الإرادة فقد عرفت حاله وان قلنا بأنه غير
__________________
(١) أولا ـ ان النسبة الإرسالية والدفعيّة ليست نسبة بين شيئين وانما هي عبارة عن نسبة الدفع والإرسال كحدث إلى فاعله أو مفعوله.
وثانيا ـ لا ينبغي الإشكال وجدانا في دلالة فعل الأمر على نسبة صدور الحدث أي المبدأ من الفاعل أيضا كدلالة فعل المضارع والماضي فإذا افترض وجود نسبة أخرى في مفاده لزم دلالته على نسبتين في عرض واحد وهو غريب في بابه.
وثالثا ـ ان هذه النسبة الناقصة حالها حال سائر النسب الناقصة من حيث انها مجرد مدلول تصوري لنسبة خارجية فمن أين تنشأ خصوصية الإنشائية في فعل الأمر بحيث لا يصح استعماله في مقام الاخبار عن وقوع هذه النسبة خارجا فان كان ذلك على أساس تعلق الإرادة والطلب بها فالإرادة مدلول تصديقي والكلام في مرحلة المدلول التصوري والّذي لا إشكال في انحفاظ الإنشائية فيها. وان كان من جهة ان هذه النسبة لوحظت في وعاء الطلب والاستدعاء فهو مضافا إلى رجوعه للاحتمال السابق. فيه : ان الوعاء انما يكون مقوما للنسب الذهنية التامة لا الخارجية الناقصة على ما تقدم في محله. وان كان من جهة ان صيغة الأمر تخطر في ذهن المخاطب ان المتكلم يرسله بالفعل نحو العمل فكأنه قال له أرسلك إنشاء فهذا يعني ان الإنشائية تحصل في طول الاستعمال وليست محفوظة في مرحلة المعنى المستعمل فيه نظير بعت إنشاء فيرد الإشكال بأنه لما ذا لا يصح اذن استعمال فعل الأمر في مقام الاخبار عن النسبة الإرسالية طالما ان المعنى المستعمل فيه واحد فلا يبقى وجه للفرق الا ما ذهب إليه المشهور من ان هذه الأدوات موضوعه لإيجاد معانيها في الخارج بمعنى انها لا تخطر صدور النسبة من الفاعل إلى ذهن المخاطب بل توجد إحساسا واستجابة خاصة عنده نحو المعنى نظير الإحساس بالاندفاع في باب الأمر باليد والإشارة أو التنبيه في النداء فهي أدوات إيجادية وليست إخطارية على تفصيل ليس هنا مجال بيانه.