فالإيثار قيمة أساسية تسهم في تفعيل مبدأ التكافل.
وقد أحدثت تعليمات وقيم الإسلام انقلاباً اجتماعياً هائلاً ، فبعد ان كان الإنسان الجاهلي أنانياً تتصدر مصلحته ومنفعته الأولوية ، يئد بناته خشية الإملاق والفقر ، أخذ يؤثر الآخرين على نفسه ولوكان يعاني من ضيق ذات اليد ، وهي ظاهرة اجتماعية ملفتة للنظر وتستدعي الاعتبار.
جاء رجلٌ إلى النبي صلىاللهعليهوآله فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى بيوت أزواجه فقلن : « ما عندنا إلاّ الماء ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من لهذا الرجل اللّيلة ؟ فقال عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : أنا له يا رسول الله ، وأتىٰ فاطمة عليهاالسلام فقال لها : ما عندك يا ابنة رسول الله ؟ فقالت : ما عندنا إلاّ قوت العشيّة لكنّا نؤثر ضيفنا ، فقال عليهالسلام : يا ابنة محمّد صلىاللهعليهوآله نوّمي الصبية وأطفئي المصباح ، فلمّا أصبح عليّ عليهالسلام غدا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره الخبر فلم يبرح حتّى أنزل الله عزّ وجلّ ( وَيُؤْثِرُوْنَ ... ) » الآية (١).
وقدّمت السيرة المطهّرة القدوة الحسنة في هذا المقام ، فقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه ما شبع ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا ، ولو شاء لشبع ، ولكنه كان يؤثر على نفسه (٢).
وتبدو قيمة الإثيار جلّية في سلوك أئمة أهل البيت : حيث تجد الروح الفياضة بالعطاء ، فمن المواقف المحفورة في ذاكرة التاريخ والتي تختزن في أعماقها
________________
(١) تفسير نور الثقلين ٥ : ٢٨٦ / ٦٠ ، تفسير الآية (٩) من سورة الحشر.
(٢) تنبيه الخواطر / للأمير ورّام ١ : ١٧٢ باب الإثيار.