الموت بعد الحياة ، كذلك لا يقال أحيا الله ميتا ، إلاّ أن يكون قبل إحيائه ميتاً ، وهذا بيّن لمن تأمله.
وقد زعم بعضهم أنَّ المراد بقوله : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمُساءلة ، فتكون الاُولىٰ قبل الإقبار والثانية بعده ، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر ، وهو أنَّ الحياة للمساءلة ليست للتكليف فيندم الإنسان علىٰ ما فاته في حياته ، وندم القوم علىٰ ما فاتهم في حياتهم المرتين يدلُّ علىٰ أنّه لم يرد حياة المساءلة ، لكنه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم والندم علىٰ تفريطهم فلا يفعلون ذلك فيندمون يوم العرض علىٰ ما فاتهم من ذلك (١).
إذن فالمراد بالموتتين موتة عند انتهاء آجالهم ، والموتة الثانية بعد عودتهم إلىٰ الحياة ، وتفسير منكري الرجعة بأنَّ الموتة الثانية قبل خلقهم حين كانوا عدماً لا يستقيم ، لأنّ الموت لا يكون إلاّ للحي ، ويلزم هذا وجودهم أحياء وهم في العدم ، فلا يبقىٰ إلاّ ما بيّناه للخروج من هذا التناقض.
رابعاً : قوله تعالىٰ : ( وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ ) إلىٰ قوله تعالىٰ : ( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ) (٢).
روىٰ الشيخ الصدوق والكليني وعلي بن إبراهيم والعياشي وغيرهم
__________________
(١) المسائل السروية : ٣٣.
(٢) سورة النحل ١٦ : ٣٨ ـ ٣٩.