لماذا بقيت عنده طيلة هذه المدة المتمادية وهي خارجة عن ملكه .. ؟ ولماذا لم يظهر ذلك إلّا بعد هجرته (ص) ؟ فما هو الداعي له للكتمان ، ولا سيما قبل النبوة ؟ وما الداعي للاظهار ، ولا سيما بعد الهجرة ؟
وأوردوا أيضا على الرواية بأنها مرسلة ،
وبأنه لا حجِّيَّة في المنامات ،
وبأنها مخالفة لظاهر القرآن : الذي يقول عن الكفار : « وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ». ١
ولكن إذا ثبت أنَّ الرأي هو النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ، كما هو مقتضى رواية اليعقوبي ، كان المنام حجة ... كما أنهم قد ناقشوا في هذا الاعتراض الأخير بما لا مجال لذكره ، فلتراجع المصادر المتقدمة ، والعمدة هو ما ذكرناه نحن آنفا ونذكر أخيرا ... ان فرحه لو كانَ استجابة لحاجة نفسية طبيعية ، ولم يكن لله ، فلماذا يثاب عليه !؟
ونجد في كلماتهم أيضا الاستدلال بفعل حاكم اربل ، الذي ابتكر عمل المولد على ذلك النحو المخصوص حسبما ذكروه ، وقد كان فاضلا ورعا ديِّنا الى آخر ما وصفوه به. ٢
ولكنه استدلال لا يصح أيضا. لأن التشريع لا يصح من أحد إلّا من صاحب الشريعة ، ولم يكن هذا الرجل من العلماء ، حتى يحمل عمله على أنه قد استند فيه إلى دليل شرعي ، فلعله ، كان غافلا عن اللوازم الفاسدة لمثل هذا العمل ، أو حتى متعمِّداً لها ...
إلّا إذا كان المقصود والاستدلال على هذا الامر بالإجماع المتحقق في زمانه وحضور العلماء وغيرهم لتلك المناسبات كما يظهر من سياق كلامه ... ولسوف نشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
__________________
١ ـ راجع : فتح الباري / ج ٩ / ص ١٢٤ / ١٢٥ ، وارشاد الساري / ج ٨ / ص ٣١ ، وعمدة القاري / ج ٢٠ / ص ٩٥ ، والقول الفصل / ص ٨٤ ـ ٨٧.
٢ ـ راجع : رسالة حسن المقصد للسيوطي ، والمطبوعة مع كتاب : النعمة الكبرى على العالم / ص ٨٠.