الحاج ويعلمها إنما هي من أعلام المناسك ، ودلائله المظهرة لكمال انقياد العباد له تعالى ، فلا يجوز التعدِّي على هذه الأعلام ، ولا يجوز تجاوزها ، بل لا بد من تعظيمها والتقيد بها ، وقد ورد النهي عن تجاوزها وتعدّيها في قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ». ١ وقبل آية تعظيم شعائر الله ، تجده تعالى يقول وفي نفس المناسبة : « ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ » ٢ فنجد أن هذا السياق متحد مع سياق الآية التي استدل بها هنا.
وبعد ... كل ما تقدم نقول : إن الاستدلال بالآية يتوقف على كون مولد النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم ، وكذا يوم عاشوراء ، مثلا ، وغير ذلك من المناسبات من شعائر الله ، أي من أعلام الله التي نصبها لطاعته ، ليجب تعظيمها ... وكما يقال :
العرش ، ثم النقش ...
فإن قوله تعالى : « وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ » يشعر بأن كونها من الشعائر يحتاج الى جعلٍ منه تعالى ...
وقد استدل أيضا على مشروعية المواسم والمراسم بقوله تعالى مخاطبا موسى عليه السلام : « وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ » ٣ ، فإن المقصود بأيّام الله ، أيّام غلبة الحق على الباطل ، وظهور الحق ، وما نحن فيه من مصاديق الآية الشريفة ، فإن إقامة الذكريات والمواسم فيها تذكير بأيّام الله سبحانه. ٤
ونقول : إن ما تدل عليه الآية هو التذكير بالأسلوب العادي والمعروف ، وأمّا الخصوصية ، فلا تفهم من الآية ، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام : « كان رسول الله (ص) يخطبنا فيذكِّرنا بأيّام الله ، حتى نعرف ذلك في وجهه ، كأنه نذير
__________________
١ ـ المائدة / ٢.
٢ ـ الحج / ٣٠.
٣ ـ إبراهيم / ٥.
٤ ـ المستدل بذلك هو الصديق المشار اليه آنفا في مقال له حول هذا الموضوع. وذكر هذا الاستدلال ايضا عن بعضهم في كتاب : القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل / ص ٧٣.