منها بالحج ، كما قاله القرطبي ، لأنَّ أكثر أعمال الحج إنما هي تكرار لعمل تاريخي ، وتذكير بحادثة كانت قد وقعت في عهد إبراهيم عليه السّلام ، وشعائر الله مفهوم عام شامل للنبيِّ (ص) ولغيره ، فتعظيمه (ص) لازم. ومن أساليب تعظيمه إقامة الذكرى في يوم مولده ، ونحو ذلك ، فكما أن ذكرى ما جرى لإبراهيم عليه السلام من تعظيم شعائر الله سبحانه ، كذلك تعظيم ما جرى للنبيِّ الأعظم ، محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يكون من تعظيم شعائر الله سبحانه.
ونقول : إنه لا بدَّ من إصلاح هذا الاستدلال ، والقول : بأنه لا يتوقف على دعوى أن شعائر الحج ما هي إلّا تكرار لحوادث ، تاريخية ، ليمنع ذلك بعدم ثبوت ذلك ، أولا ، وبأنه قد كان يمكن التذكير بحوادث تاريخية مهمة جداً غيرها ، ولعل بعضها أهم بكثير من قضية التحيُّر بين الصفا والمروة في طلب الماء ، أو نحوه مما يذكر هنا.
كما لا يرد على هذا الاستدلال : أن تفسير القرطبي للشعائر باعلام الدين ، الذي هو معنى عام ، لا ينافي اختصاص هذا التعبير في القرآن بـ « أعمال الحج » ومواضعه ، لا يرد عليه ذلك ، لأن العبرة إنما هي بعموم اللفظ ، لا بخصوصية المورد.
ولكن يلاحظ : أن القرآن يكرر ويؤكد على أن في هذه الشعائر منافع للناس ، فهو يقول في الآية السابقة وهو يتحدث عن أعمال الحج « ... ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ » كما ويشير إلى أن عمل الحج نفسه يحصلُ الناس فيه على المنافع كما قال تعالى : « لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ».
وفي آية أخرى في نفس الموضوع ، نجده تعالى يقول : « وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْر فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ». ١
وقد أطلق في القرآن لفظ المشعر الحرام على المزدلفة ، كما وأطلق على الصفا والمروة انهما من شعائر الله ...
فالظاهر : ان المراد هو : أن هذه الأماكن ، وكذلك البدن التي يشعرها
__________________
١ ـ الحج / ٣٦ و ٣٧.